الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب حد المرأة على غير زوجها

          ░30▒ (بَابُ إِحْدَادِ الْمَرْأَةِ): أي: جوازُ إحدادها (عَلَى غَيْرِ زَوْجِهَا): إحداد: مصدر أحدَّ المزيد، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواه غيره: <حِداد> بكسر الحاء، ككِتاب، من حده المجرد حُدَّ _بضم الحاء المهملة وكسرها_ وأنكر الأصمعي المجرَّد فلم يعرف إلا المزيد، وقال العينيُّ: وفي بعض النسخ: <باب حد المرأة>.
          وصدَّر بها القسطلاني ثمَّ قال: والمشهورُ أنه بالحاء المهملة، قال: ويروى: <الإجداد> بالجيم، من جددتُ الشيء: قطعتهُ؛ لأنها انقطعَتْ عن الزِّينةِ وما كانت عليه، انتهى.
          وأطلقَ في قوله: ((على غير زوجها)) فشمل القريبَ والأجنبي.
          قال في ((الفتح)): ولم يقيِّد الإحدادَ في الترجمة بالموت؛ لأنه يختصُّ به عرفاً، واعترضهُ العيني فقال: ظاهر الترجمة يُنافي ما قاله، فكأنَّ البخاري لا يرى أنه مختصٌّ به عنده، فترك التَّقييد به، انتهى.
          ولم يبيِّن حُكمه؛ لأن الخبر دلَّ على عدم التَّحريم في الثلاث، وأقلُّ ما يقتضيه إثبات المشروعيَّة، انتهى.
          وأقول: لا يتصور في غير الزوج الذي الكلام فيه إلا في الموت، وأما الزَّوجُ، فقد يكون في حياته لنحو طلاقٍ عندهم، ولا يُعلم أن مذهبَ المصنِّف كذلك، وخرجَ بالمرأة: الرجل فيحرمُ عليه الإحدادُ وتغيير لباسٍ معتادٍ له، ففي ((التحفة)): ويحرمُ الجزع بضرب صدرٍ ونحوه ككشف ثوبٍ ونشرٍ، أو قطع شعر، وتغييرُ لباسٍ أو زيٍّ أو ترك لبسٍ معتاد، كما قاله ابن دقيق العيد وغيره، ولا يغترُّ بجهلة المتفقهة الذين يفعلونهُ، انتهى.
          قال ابنُ بطَّال: الإحداد _بالمهملة_: امتناعُ المرأة المتوفَّى عنها زوجها، أو غيره من الزِّينةِ كلها من لباسٍ وطيبٍ وغيرهما، وكلما كان من دواعي الجماع، يقال: امرأةٌ حادٌّ ومحد، وأباح الشَّارعُ للمرأة أن تحدَّ على غير الزوج من محارمها ثلاثة أيَّامٍ لما يغلب من لوعةِ الحزن ويهجمُ من ألم الوجدِ، وليس ذلك بواجبٍ؛ لاتِّفاقهم على أن الزَّوج لو طالبها بالجماع لم يحلَّ لها منعه في تلك الحالةِ، انتهى.
          وقال العيني: وأما الحداد لموت الزَّوج فواجبٌ عندنا سواءٌ كانت حرَّةً أو أمة، وكذلك يجب على المطلَّقةِ طلاقاً بائناً مطلقاً الإحداد، وقال مالكٌ والشَّافعي وأحمد: لا يجب، ولا يجبُ على صغيرةٍ ولا على ذميَّةٍ عندنا خلافاً لهم، انتهى.
          وقوله: وقال مالكٌ... إلخ، مراده: أنه لا يجب عندهم في المطلَّقةِ طلاقاً بائناً، وأرادَ بمطلقاً: الطلاق الثلاث والخلع والكنايةُ، وقوله: ولا يجب على ذميَّةٍ ولا صغيرةٍ عندنا؛ أي: في المتوفَّى عنها لقوله خلافاً لهم: وإلا فالمطلقة المذكورةُ لا يجبُ عليها إحدادٌ عندنا وعندهم.