نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث أبي هريرة: سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي.

          6197- (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أبو موسى التَّبوذكي، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح بن عبد الله اليشكري، قال: (حَدَّثَنَا أَبُو حَصِيْنٍ) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين بعدها تحتية ساكنة فنون، عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان السَّمَّان الزَّيات (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: سَمُّوا) أبناءكم (بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا) بسكون الكاف، وفي رواية أبي ذرٍّ: <ولا تكَنَّوا> بفتح الكاف وتشديد النون، من التَّكني (بِكُنْيَتِي) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني: <بكنوتي> بالواو.
          (وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي) حديثان جمعهما الرَّاوي مع الحديث الأوَّل بالإسناد المذكور، وكيفيَّة هذه الرُّؤية أنَّ الله ╡ يخلق الرُّؤية بإرادته وليست مشروطةً بمواجهة ومقابلة وشرط. وقال الغزالي: ليس معناه أنَّه رأى جسمي، بل رأى مثالاً صار ذلك المثال آلةً يتأدَّى بها المعنى الَّذي في نفسي إليه، بل البدن في اليقظة أيضاً ليس إلاَّ آلة النَّفس، فالحقُّ أن ما يراه مثالٌ حقيقة روحه المقدَّسة الَّتي هي محلُّ النُّبوة، فما يراه من الشَّكل ليس هو روح النَّبي صلعم ولا شخصه بل مثالٌ له على التَّحقيق. فإن قيل: من أين يعلم الرَّائي أنَّه رسول الله صلعم لا غيره؟ أُجيب: بأنَّ الله ╡ يخلق فيه علماً ضروريًّا أنَّه هو صلعم .
          وقال الطِّيبي: الشَّرط والجزاء اتَّحدا فدلَّ على التَّناهي في المبالغة؛ أي: من رآني فقد رأى حقيقتي على كمالها لا شبهة ولا ارتياب فيما رأى، وقال غيره: فقد رآني ليس بجزاء الشَّرط حقيقةً بل لازمهُ نحو: ((فليستبشرْ فإنَّه قد رآني)).
          (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ صُورَتِي) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني: <في صورتي>، ويروى: <لا يتمثَّل بي>؛ أي: لا يتصوَّر بصورتي، وهذا كالتَّتميم للمعنى، والتَّعليل للحكم، وقد خصَّ الله النَّبي صلعم / بأن منع الشَّيطان أن يتصوَّر بصورته؛ لئلَّا يكذبَ على لسانه في النَّوم (وَمَنْ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <فمن> بالفاء بدل الواو (كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ) أي: فليتَّخذ موضعاً لمقامه، يقال: تبوأ الرَّجل المكان: إذا اتَّخذه موضعاً لمقامه (مِنَ النَّارِ) وقد تقدَّم هذا الحديث في ((كتاب العلم))، ومرَّ مباحثه فيه [خ¦110].
          قال المحقِّقون: هذا الحديث متواترٌ، ومطابقة الحديث الأول للتَّرجمة تُؤخذ من قوله: ((سمُّوا باسمي)) فإنَّه يدلُّ على جواز التَّسمية باسم النَّبي صلعم .