نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الهجرة

          ░62▒ (بابُ الْهِجْرَةِ) بكسر الهاء وسكون الجيم، وهي تركُ الشَّخص مكالمة أخيه المؤمن مع تلاقيهما، وإعراض كلِّ واحدٍ منهما عن صاحبه عند الاجتماع، وهي في الأصل: التَّرك فعلاً كان أو قولاً، وليس المراد بها مفارقة الوطن فإنَّها تقدَّم حكمها [خ¦63/45-5815].
          (وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <وقول النَّبي> ( صلعم ) بالجر عطفاً على «الهجرة»، وقد وصله في الباب عن أبي أيُّوب ☺ على ما يأتي [خ¦6077] وأراد هنا أن يبيِّن أنَّ عمومه مخصوصٌ بمن هجر أخاه بغير موجبٍ لذلك (لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <ثلاث ليالٍ> وقد مضى الكلام فيه عن قريبٍ [خ¦6065].
          وقال النَّووي: قال العلماء: تحرم الهجرة بين المسلمين أكثر من ثلاث ليالٍ بالنَّص، ويباحُ في الثَّلاث بالمفهوم، وإنَّما عفى عنه في ذلك؛ لأنَّ الآدمي مجبولٌ على الغضبِ فسومح بذلك القدر ليرجع ويزول ذلك العارضُ.
          وقال أبو العبَّاس القرطبيُّ: / المعتبر ثلاث ليالٍ حتَّى لو بدأ بالهجرة في أثناء النَّهار ألغي البعض ويعتبر ليلةَ ذلك اليوم وينقضيَ العفو بانقضاء اللَّيلة الثَّالثة. قال الحافظ العسقلانيُّ: وفي الجزم باعتبار اللَّيالي دون الأيَّام خمودٌ (1)، وقد مضى في «باب ما نهى عن التَّحاسد» في رواية شُعيب في حديث أبي أيُّوب (2) ☺ بلفظ: «ثلاثة أيَّام» [خ¦6065] فالمعتمدُ أنَّ المرخَّص فيه ثلاثة أيَّام بلياليها فحيث أطلقت اللَّيالي أريد بأيَّامها وحيث أُطلقت الأيَّام أُريد بلياليها، ويكون الاعتبار بمضيِّ ثلاثة أيَّامٍ بلياليها ملفَّقة إذا ابتدأت مثلاً من الظُّهر يوم السَّبت كان آخرها الظُّهر يوم الثلاثاء، ويحتمل أن يُلغي الكسر ويكون أوَّل العدد من ابتداء اليوم أو اللَّيلة، والأوَّل أحوط.


[1] وهو من حديث انس بن مالك ☺.
[2] هو من حديث أنس بن مالك ☺.