نجاح القاري لصحيح البخاري

باب أبغض الأسماء إلى الله

          ░114▒ (بابُ أَبْغَضِ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) ولم يبيِّن ما هو أبغض الأسماء اكتفاء بما بيَّنه في حديث الباب [خ¦6205]، وقد ورد بلفظ: ((أخبث))، بمعجمة وموحدة ومثلثة، وبلفظ: ((أغيظ))، وهما عند مسلم من وجهٍ آخر عن أبي هريرة ☺ وفي رواية ابن أبي شيبة عن مجاهد بلفظ: / ((أكره الأسماء)).
          ونقل ابن التِّين عن الدَّاودي قال: وردَ في بعض الحديث: ((أبغضُ الأسماء إلى الله خالد ومالك))، قال: وما أراه محفوظاً؛ لأنَّ في الصَّحابة من يسمَّى بهما، قال: وفي القرآن تسمية خازن النَّار: مالكاً، قال: والعباد وإن كانوا يموتون، فإنَّ الأرواح لا تفنى، انتهى كلامه(1) .
          قال الحافظ العسقلاني: فأمَّا الحديث الَّذي أشار إليه فما وقفت عليه بعد البحث، ثمَّ رأيت في ترجمة إبراهيم بن الفضل المدني أحد الضُّعفاء من مناكيره عن سعيد المقبُري عن أبي هريرة ☺ رفعه: ((أحبُّ الأسماء إلى الله ما سُمِّي به وأصدقها (2) الحارث وهمام، وأكذب الأسماء خالد ومالك، وأبغضها إلى الله ما سُمِّي لغيره)) فلم يضبط الرَّاوي لفظ المتن أو هو متنٌ آخر اطَّلع عليه.
          وأمَّا استدلاله على ضعفه بما ذكر من تسمية بعض الصَّحابة وبعض الملائكة فليس بواضحٍ لاحتمال اختصاص المنع بمن لا يملك شيئاً، وأمَّا احتجاجه لجواز التَّسمية بخالد بما ذكر من أنَّ الأرواح لا تفنى فعلى تقدير التَّسليم فليس بواضحٍ أيضاً؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قد قال لنبيه: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء:34] والخلد: البقاء الدَّائم بغير موتٍ، فلا يلزم من كون الأرواح لا تفنى أن يقال صاحب تلك الرُّوح: خالد.
          وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّه غير واضحٍ ولا وارد؛ لأنَّ نفي الخلد لبشر من قبل النَّبي صلعم إنَّما هو في الدُّنيا، وقوله: والخلد: البقاء الدَّائم بغير موتٍ، في الدُّنيا أيضاً، والنَّتيجة الَّتي بناها على تلك المقدمة الفاسدة عقيمةٌ، وهي قوله: فلا يلزم...إلى آخره بل يلزم ذلك في الآخرة. فليتأمَّل.


[1] في هامش الأصل: وقال صاحب ((التوضيح)): وهذا عجب منه، ففي الصحابة خالد فوق السبعين، ومالك في الصحابة فوق المائة وعشرة، والعباد وإن كانوا يموتون فالأرواح لا تفنى، ثم تعود الأجسام التي كانت في الدُّنيا، وتعود فيها تلك الأرواح، ويخلد كل فريق في أحد الدارين، وفي التنزيل: {ونادوا يا مالك}. منه.
[2] في الأصل: ((وله)) ولا معنى لها والصواب ما أثبته، وهو موافق للفتح.