نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير

          ░45▒ (بابٌ: مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ) أي: بأوصافهم (نَحْوَ قَوْلِهِمُ: الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ) أي: فلانٌ طويلٌ، وفلانٌ قصيرٌ (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ) وقد ذكر هذا التَّعليق إشارةً إلى أنَّ ذكر اللَّقب إن كان للتَّعريف به يجوز ذلك، لما قال صلعم : لمَّا صلَّى الظهر ركعتين وسلَّم فقال ذو اليدين: أقصرت الصَّلاة أمْ نسيت يا رسول الله؟: ((ما يقول ذو اليدين)).
          وقد وصله المؤلِّف في أوائل «كتاب الصَّلاة»، في «باب تشبيك الأصابع في المسجدِ» [خ¦482]، ولكن لفظه: ((أكما يقولُ ذو اليدين)). وفي رواية مسلمٍ: ((ما يقول ذو اليدين)) وهو المطابق للتَّعليق المذكور.
          (وَمَا لاَ يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ) أي: جواز ما لا يُراد به شين الرَّجل وعيبه، وهو مذهبُ جماعةٍ.
          وحاصله: أنَّ اللَّقب إن كان ممَّا يعجب الملقَّب، ولا إطراء فيه ممَّا يدخل في نهي الشَّرع فهو جائزٌ أو مستحبٌّ، وإن كان ممَّا لا يعجبه فهو حرامٌ أو مكروهٌ، إلَّا إن تعين طريقاً إلى التَّعريف به حيث يشتهرُ به، ولا يتميَّز عن غيره إلَّا بذكره، ومن ثمَّة أكثرَ الرُّواةُ من ذكر الأعمش والأعرج ونحوهما، وعارم وغُنْدر وغيرهم.
          ورأى قومٌ من السَّلف: أنَّ وصف الرَّجل بما فيه من الصِّفة غيبة له، وشذَّ قومٌ فشددوا حتَّى نُقل عن الحسن البصريِّ أنَّه كان يقول: أخاف أن يكون قولنا: حميد الطَّويل غيبةً. قال شعبة: سمعت معاوية بن قرَّة يقول: لو مرَّ بك أقطع، فقلت: ذاك الأقطع / كانت منك غيبةً.
          ولكنَّ الأصح: أنَّه إذا كان على وجه التَّعريف به فلا بأس كما مرَّ، وهو ظاهر إيراد البخاريِّ بقوله: «وما لا يراد به شين الرَّجل»، وأمَّا إذا كان يراد بالتَّلقيب عيبه فلا يجوز؛ لأنَّ فيه تنقيصاً.
          وقال ابنُ المُنيِّر: أشار البخاريُّ إلى أنَّ ذكر مثل هذا إن كان للبيان والتَّمييز فهو جائزٌ، وإن كان للتَّنقيص لم يجز. قال: وجاء في بعض الرِّوايات عن عائشة ♦ في المرأة الَّتي دخلت عليها: فأشارت بيدها أنَّها قصيرةٌ، فقال النَّبي صلعم : ((اغتبتيها)) وذلك أنَّها لم تفعل هذا بياناً، وإنَّما قصدت الإخبار عن صفتها، فكان كالاغتياب. انتهى.