نجاح القاري لصحيح البخاري

باب تشميت العاطس إذا حمد الله

          ░124▒ (بابُ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللَّهَ) أي: مشروعيَّة التَّشميت بالشَّرط المذكور ولم يُعيِّن الحكم، وقد ثبت الأمر بذلك، كما في حديث الباب.
          قال ابنُ دقيق العيد: ظاهر الأمر الوجوب، ويؤيِّده قوله في حديث أبي هريرة الَّذي في الباب الذي يليه: ((فحقٌّ على كلِّ مسلمٍ أن يشمِّته)) [خ¦6226]. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ _فذكر فيها_: وإذا عطس فشمته)). وللبخاري من وجهٍ آخر عن أبي هريرة: ((خمسٌ تجب للمسلم على المسلم _فذكر فيها_: التَّشميت)) [خ¦1240] وهو عند مسلمٍ أيضاً. وفي حديث عائشة ♦ عند أحمد وأبي يَعلى: ((إذا عطسَ فليقل: الحمد لله، وليقل من عنده: يرحمك الله)).
          ونحوه عند الطَّبراني من حديث أبي مالكٍ وقد أخذ بظاهرها ابن مزين من المالكيَّة، وقال به جمهور أهل الظَّاهر. وقال ابن أبي جمرة في «بهجة النفوس»: قال جماعةٌ من علمائنا _أي: المالكيَّة_ إنَّه فرض عينٍ.
          وقوَّاه ابن القيِّم في «حواشي السنن»: فقال: جاء بلفظ الوجوب الصَّريح، وبلفظ الحقِّ الدال عليه، وبلفظ على الظَّاهر فيه، وبصيغة الأمر الَّتي هي حقيقةٌ فيه، وبقول الصَّحابي: أمرنا رسول الله صلعم . قال: ولا ريب / أنَّ الفقهاء أثبتوا وجوب أشياء كثيرةً بدون مجموع هذه الأشياء، وذهب آخرون إلى أنَّه فرضُ كفايةٍ إذا قامَ به البعض سقط عن الباقين. ورجَّحه أبو الوليد بن رشد وأبو بكر بن العربي، وقال به الحنفيَّة والحنابلة. وذهب عبد الوهَّاب وجماعةٌ من المالكيَّة إلى أنَّه مستحبٌّ، ويجزئ الواحد عن الجماعة وهو قول الشَّافعيَّة، والرَّاجح من حيث الدَّليل القول الثَّاني والأحاديث الصَّحيحة الدَّالة على الوجوب لا تُنافي كونه على الكفاية، فإنَّ الأمر بتشميتِ العاطس وإن وردَ في عموم المكلَّفين ففرضُ الكفاية يخاطب به الجميع على الأصحِّ، ويسقط بفعل البعض، وأمَّا من قال: إنَّه فرضٌ على مبهم فإنَّه ينافي كونه فرض عينٍ.
          (فِيْهِ) أي: في تشميت العاطس حديث رواه (أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺، وهذا ثابتٌ في رواية أبي ذرٍّ، ثمَّ إنَّه يحتمل أن يريد به حديث أبي هريرة المذكور في الباب الَّذي بعده [خ¦6223]، ويحتمل أن يريد به حديث أبي هريرة الَّذي أوله: ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ)) الَّذي أخرجهُ مسلمٌ.