نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا}

          ░69▒ (1) (بابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]) في إيمانهم دون المنافقين، أو مع الَّذين لم يتخلفوا، أو مع الَّذين صدقوا في دين الله نيَّةً وقولاً وعملاً.
          قال الحافظُ العسقلاني: وأظنُّ أن المصنِّف لمَّح بذكر الآية إلى قصَّة كعب بن مالك، وما أداه صدقه إلى الخبر الذي ذُكِرَ به في الآية، بعد أن وقعَ له ما وقع من ترك المسلمين كلامه تلك المدَّة، حتى ضاقت عليه الأرض بما رَحُبت، ثمَّ منَّ الله عليه بقبول توبتهِ، وقال في قصَّته: ما أنعمَ الله عليَّ من نعمة بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي أن لا أكون كذبتُ، فأهلِكَ كما هلكَ الَّذين كذبوا [خ¦4418].
          (وَمَا يُنْهَى عَنِ الْكَذِبِ) قال الرَّاغب: أصل الصِّدق والكذب في القول ماضياً كان أو مستقبلاً، وعداً كان أو غيره، ولا يكونان بالقصد الأول إلَّا في الخبر، وقد يكونان في غيره كالاستفهام والطَّلب.
          والصِّدق: مطابقة القول للضَّمير والمخبَر عنه، فإن انخرم شرطٌ لم يكن صدقاً، بل إما أن يكون كذباً أو متردداً بينهما على اعتبارين، كقول المنافق: محمَّد رسول الله، فإنه يصحُّ أن يُقال: صدق؛ لكون المخبَر عنه كذلك، ويصح أن يقال: كذب؛ لمخالفة قولهِ لضميره.
          والصِّدِّيق من كثر منه الصِّدق، وقد يستعمل الصِّدق والكذب في كلِّ ما يَحِقُّ في الاعتقاد ويحصل، نحو: صدقَ ظني، وفي الفعل نحو: صدق في القتال، ومنه: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:105]. انتهى ملخصاً.
          وقال الغزالي: الكذب من قبائح الذُّنوب، وليس حراماً لعينه، بل لما فيه من الضَّرر، ولذلك يُؤذَن فيه حيث يتعيَّن طريقاً إلى المصلحة.
          وتُعقِّب: بأنه يلزم أن يكون الكذب إذا لم ينشأ عنه ضررٌ مباحاً، وليس كذلك. ويمكن الجواب / بأنه يُمنع من ذلك حسماً للمادة، فلا يباحُ منه إلا ما يترتب عليه مصلحة، فقد أخرج البيهقيُّ في «الشعب» بسند صحيحٍ عن أبي بكر الصِّديق ☺، قال: ((الكذب يجانب الإيمان))، وأخرجه عنه مرفوعاً، وقال: الصَّحيح أنَّه موقوف.
          وأخرج البزَّار من حديث سعد بن أبي وقاص ☺ رفعه، قال: ((يُطبَعُ المؤمن على كلِّ شيءٍ إلَّا الخيانة والكذب))، وسنده قويٌّ. وذكر الدَّارقطني في «العلل» أن الأشبه أنَّه موقوف، وشاهد المرفوع من مرسل صفوان بن سليم في «الموطأ».
          قال ابن التِّين: ظاهره يعارضُ حديث ابن مسعود ☺ [خ¦6094]، والجمع بينهما حَمْلُ حديث صفوان على المؤمن الكاملِ.


[1] في هامش الأصل: قد بدئ في هذه القطعة السادسة والعشرين يوم الإثنين، اليوم السادس عشر من أيام شهر شعبان المعظم، من شهور سنة ثمان وخمسين ومائة وألف، يسر الله تعالى إتمامها وإتمام ما يتلوها إلى آخر الكتاب، بحرمة النبي والآل والأصحاب، صلعم، ورضي عنهم.