نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما جاء في قول الرجل: ويلك

          ░95▒ (بابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ) قال سيبويه: ((ويلكَ)) كلمةٌ تقال لمن وقعَ في هلكةٍ، و((ويحكَ)) ترحُّم، وكذا قال الأصمعيُّ، وزاد: وَيْس بغير هاء؛ أي: أنها دونها، وقيل: هما بمعنى، ويقال: ويل: تحسُّر، وويح: ترحُّم، وَوَيْس: استغفارٌ، قاله الرَّاغب.
          وقد قيل: إنَّ أصل ((ويل)): وَيْ، وهي كلمةُ تأوُّه فلمَّا كثُر قولهم: وي، لفلان وصلوها باللام وقدَّروها أنَّها منها فأعربوها، وأمَّا ما وردَ: ((ويل واد في جهنَّم)) فلم يرد أنَّه معناه في اللُّغة، وإنما أرادَ من قال الله ذلك فيه فقد استحقَّ مقرًّا من النَّار.
          وفي كتاب «من حدَّث ونسيَ» عن مُعتمر بن سليمان قال: قال لي أبي أنت حدَّثتني عنِّي عن الحسن قال: ويح كلمةُ رحمةٍ، وأكثر أهل اللُّغة على أنَّ ويل: كلمةُ عذابٍ، وويح: كلمةُ رحمةٍ.
          وعن اليزيدي(1) : هما بمعنًى واحد، تقول: ويح لزيد وويل لزيد، ولك أن تنصبهما بإضمار فعل كأنك قلت: ألزمه الله ويلاً أو ويحاً. قال الحافظُ العسقلاني: وتصرف البُخاري يقتضي أنَّه على مذهب اليزيدي (2) في ذلك، فإنه ذكر في بعض الأحاديث في الباب ما ورد بلفظ: ((ويل)) فقط، وما ورد بلفظ ((ويح)) فقط، وما وقع التَّردد فيهما، ولعلَّه رمز إلى تضعيفِ الحديث الوارد عن عائشة ♦: أنَّ النَّبي صلعم قال لها في قصَّة: ((لا تجزعِي من الويحِ، فإنَّه كلمة رحمةٍ، ولكن اجزعِي من الويل)) أخرجه الخرائطيُّ في «مساوئ الأخلاق» بسندٍ واهٍ، وهو آخر حديث فيه.
          وقال الدَّاودي: ويل وويح وويس كلماتٌ تقولها العرب عند الذَّمِّ، قال: وويح مأخوذٌ من الحزن، وويسَ من الأسى وهو الحزنُ. وأمَّا قول ابنِ عرفة: الويلُ: الحزن، فكأنَّه أخذَهَ من أنَّ الدُّعاء بالويل إنما يكون عند الحزن، والأحاديث التي ساقها المؤلِّف ☼ هنا فيها ما اختلف الرُّواة في لفظه / هل هي ويل أو ويح؟ وفيها ما تردَّد الرَّاوي، فقال: ويل أو ويح، وفيها ما جزمَ فيه بأحدهما، ومجموعُها يدلُّ على أنَّ كلاًّ منهما كلمة توجُّع، يُعرف هل المراد الذَّم أو غيره من السِّياق، فإنَّ في بعضها الجزم بويل وليس حمله على العذابِ بظاهر.
          والحاصل: أنَّ الأصل في كلٍّ منهما ما ذكر، وقد يستعملُ إحداهما موضع الأخرى، وقوله: ويس مأخوذٌ من الأسى متعقَّب لاختلاف تصريف الكلمتين.


[1] في هامش الأصل: في نسخة: وعن التِّرمذي.
[2] في هامش الأصل: في نسخة: على مذهب التِّرمذي.