نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما يكره من النميمة

          ░50▒ (بابٌ: مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ) وكأنَّه أشار بهذه التَّرجمة إلى أنَّ نقل بعض القول المنقول على جهة الإفساد لا يُكره كما إذا كان المنقولِ عنه كافراً مثلاً، كما يجوزُ التَّجسُّس في بلاد الكفار ونقل ما يضرُّهم (وَقَوْلِهِ) تعالى: ({هَمَّازٍ}) فعَّال _بالتشديد_ من الهمز، وفسَّر البخاري: الهمز واللَّمز بالعيب، فجعل معنى الاثنين واحداً ({مَشَّاءٍ}) مبالغة ماشٍ ({بِنَمِيمٍ} [القلم:11]) من نمَّ الحديث ينُمُّه وينِمُّه _بضم النون وكسرها_ نماه، والرَّجل النَّمام والنَّم، وفي «التيسير»: المشَّاء بالنَّميم هو الَّذي ينقل الأحاديث من بعض النَّاس إلى بعض فيفسد بينهم، قاله الجمهور، وقيل: الَّذي يسعى بالكذب، وقال الرَّاغب: همز الإنسان اغتيابه، والنَّم: إظهار الحديث بالوشاية، وأصل النَّميمة: الهمس والحركة.
          (وَقَوْلِهِ) تعالى: ({وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]) قال البخاريُّ: (يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ: / يَعِيبُ) بالعين المهملة فجعل معناهما واحداً كما مرَّ، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ: <يغتاب> بالغين المعجمة والفوقية بعدها ألف. قال الحافظ العسقلانيُّ: وأظنُّه تصحيفاً، وفي رواية أبي الوقت: <يهمز ويلمز ويعيب واحد>. وقال ابن عبَّاس ☻ : هُمزة لُمزة: طعَّان مغتاب. وقال الرَّبيع بن أنس: الهُمزة من يهمزه في وجهه، واللُّمزة من يلمزهُ من خلفه. وقال قتادة: يهمزه بلسانه، ويلمزه بعينهِ.
          ونقل ابن التِّين: أنَّ اللَّمز: العيب في الوجه، والهمز: في القفا. وقيل: بالعكس، وقيل: الهمز: الكسر، واللَّمز: الطَّعن، فعلى هذا هما بمعنىً واحدٍ أيضاً؛ لأنَّ المراد بالكسر: الكسر من الأعراض وبالطَّعن الطَّعن فيها. وقال مجاهد: الهُمزة: باليد والعين، واللُّمزة: باللِّسان، وأسند البيهقيُّ عن ابن جريجٍ قال: الهمز: بالعين والشَّدق واليد، واللَّمز: باللِّسان.
          وبالجملة أنَّهما بمعنى: العيب، كما فسَّره البخاري، وحُكِي في ميم يهمزُ ويلمز الضَّم والكسر.