نجاح القاري لصحيح البخاري

باب قول النبي: إنما الكرم قلب المؤمن

          ░102▒ (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ) يقال: رجلٌ كَرْم، وامرأة كَرْمٌ، ورجلان كَرْم، ورجال كَرْمٌ، ونسوة كَرْمٌ، كله بفتح الكاف وإسكان الراء، بمعنى: كريم، وصف بالمصدر كعَدْل وضَيْف، وليس الحصر في قوله: ((إنَّما الكرم)) على ظاهره، وإنَّما المعنى أنَّ الأحقَّ باسم الكرم قلب المؤمن، ولم يرد أنَّ غيره لا يسمَّى: كرماً، وهذا قطعةٌ من آخر حديث رواه أبو هريرة ☺، ويأتي الآن في هذا الباب [خ¦6183]، ورواه مسلمٌ من رواية الأعرج عن أبي هريرة ☺ قال: قال رسول الله صلعم : ((لا يقولنَّ أحدكم الكرم، فإنَّما الكرمُ قلب المؤمن)). وله من رواية ابن سيرين عن أبي هريرة ☺، عن النَّبي صلعم قال: ((لا تسمُّوا العنب الكرم، فإنَّ الكرم الرَّجل المسلم))، وفي رواية من حديث علقمة بن وائلٍ، عن أبيه: أنَّ النَّبي صلعم قال: ((لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب)).
          والحَبْلة: بفتح المهملة وحكي ضمها وسكون الموحدة وبفتحهما أيضاً، وهو أشهرُ هي شجر العنب، وقيل: أصل الشَّجرة، وقيل: القضيب منها، وقال في «المُحكَم»: الحَبَل _بفتحتين_: شجر العنب، الواحدة: حبلة، وبالضم ثم السُّكون: الكرم، وقيل: الأصل من أصوله وهو أيضاً اسم ثمر السمر والعضاه.
          (وَقَدْ قَالَ) صلعم (إِنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِي يُفْلِسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أخرجه التِّرمذي قال: حدَّثنا قتيبة: حدثنا عبد العزيز بن محمَّد، عن العلاء بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة ☺: أنَّ النَّبي صلعم قال: ((أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلسُ / فينا يا رسول الله مَن لا درهمَ له ولا متاعَ))، قال رسول الله صلعم : ((المفلسُ من أمَّتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتمَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضرب هذا، فيقعدُ فيقتصُّ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أخذَ من خطاياهم، فطرح عليه، ثمَّ طرح في النَّار)). قال التِّرمذي: هذا حديثٌ حسن صحيحٌ، وليس المراد أنَّ من يفلس في الدُّنيا لا يسمَّى مفلساً وذلك (كَقَوْلِهِ) صلعم : (إِنَّمَا الصُّرَعَةُ) بضم الصاد المهملة وفتح الراء (الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) وهذا حديثٌ رواه أبو هريرة ☺، وقد مضى قبل هذا الباب بخمسةٍ وعشرين باباً [خ¦6114] (وكَقَوْلِهِ: لاَ مُلْكَ) بضم الميم وسكون اللام (إِلاَّ لِلَّهِ) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني: <لا مَلِك> بفتح الميم وكسر اللام <إلا الله>، وكلمة ((لا)) صريح في النَّفي، و((إلَّا)) في الإثبات فيقتضي الحصر (فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ الْمُلْكِ) بضم الميم، وهو عبارةٌ عن انقطاعهِ عنده؛ أي: لا ملك بعده، فالملك الحقيقي لله تعالى، وقد يُطلق على غيره مجازاً (ثُمَّ ذَكَرَ الْمُلُوكَ أَيْضاً، فَقَالَ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النمل:34]) وهو جمع مَلِك، ذكر هذا لبيان أنَّ الملك يُطلق على غير الله تعالى، وفي القرآن شيءٌ كثيرٌ من هذا القبيل؛ كقوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ} [يوسف:43] في صاحب يوسف ◙ وغيره، ولكن كلُّ ذلك بطريق التَّجوّز لا بطريق الحقيقة.
          ثمَّ إنَّ مقصود المصنِّف ☼ من ذكر هذا الكلام الَّذي فيه أدوات الحصر أنَّ الحصر فيه ادِّعائي لا حقيقي، فكذلك الحصر في قوله: ((إنَّما الكرمُ قلب المؤمن)) فكأنَّ الكرم الحقيقي هو القلبُ لا الشَّجر على سبيل الادِّعاء لا على الحقيقة، ألا ترى أنَّه يطلق على غيره.