نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: مات صغيرًا ولو قضي أن يكون بعد محمد نبي

          6194- (حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ) بضم النون وفتح الميم، هو: محمَّد بن عبد الله بن نُمير نسب لجدِّه، قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، العبدي، قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هو: ابنُ خالد البجلي وكلُّ هؤلاء كوفيُّون. قال: (قُلْتُ لاِبْنِ أَبِي أَوْفَى) بفتح الهمزة وسكون الواو وفتح الفاء، عبد الله الصَّحابي ابن الصَّحابي (رَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ) أي: هل رأيتَ إبراهيم (ابْنَ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: مَاتَ صَغِيراً) تضمَّن كلامه جواب السُّؤال بالإشارة إليه، وصرَّح بالزِّيادة عليه كأنَّه قال: نعم رأيته، لكن مات صغيراً، ثمَّ ذكر السَّبب في ذلك، وقد رواهُ إبراهيم بن حميد عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ: ((قال: نعم كان أشبه النَّاس به مات وهو صغيرٌ)) أخرجه ابنُ منده.
          والإسماعيلي من طريق جرير عن إسماعيل سألت ابنَ أبي أوفى عن إبراهيم ابن النَّبي صلعم مثل أيِّ شيءٍ كان حين مات؟ قال: كان صبياً، وكان عمره حين مات ستَّة عشر شهراً، رواه ابن منده. أو ثمانيَّة عشر شهراً، رواه أحمد في «مسنده» عن عائشة ♦، وقيل: عاش سبعين يوماً، حكاه البيهقيُّ، وكانت وفاته في ربيع الأول، وقيل: في رمضان، وقيل: في ذي الحجَّة.
          قال القسطلاني: وهذا القول الثَّالث باطلٌ على القول بأنَّه مات سنة عشر؛ لأنَّ النَّبي صلعم كان في حجَّة الوداع إلَّا إن كان مات في آخر ذي الحجَّة على القول بأنَّه / عاش سبعين يوماً ودفن بالبقيع.
          (وَلَوْ قُضِيَ) على البناء للمفعول؛ أي: لو قدر الله (أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلعم نَبِيٌّ عَاشَ ابْنُهُ) إبراهيم (وَلَكِنْ لاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ) هكذا جزم به عبد الله بن أبي أوفى، ومثل هذا لا يقال بالرَّأي، وقد توارد عليه جماعةٌ فأخرج ابنُ ماجه من حديث ابن عبَّاس ☻ قال: ((لمَّا مات إبراهيم ابن النَّبي صلعم صلَّى عليه، وقال: إنَّ له مرضعاً في الجنَّة، ولو عاش لكان صدِّيقاً نبيًّا ولأعتقتُ أخواله القبط))، وفي إسناده أبو شيبة إبراهيم بن عثمان الواسطي وهو ضعيفٌ.
          ومن طريقه أخرجه ابنُ منده في «المعرفة»: وقال: غريبٌ، وروى أحمد وابنُ منده من طريق السُّدي: سألت أنساً كم بلغ إبراهيم؟ قال: كان قد ملأ المهد ولو بقي لكان نبيًّا، ولكن لم يكن ليبقى؛ لأنَّ نبيَّكم آخر الأنبياء. ولفظ أحمد: ((لو عاش إبراهيم ابن النَّبي صلعم لكان صديقاً نبيًّا)) ولم يذكر القصَّة، قال الحافظ العسقلاني: فهذه عدَّة أحاديث صحيحة عن هؤلاء الصَّحابة أنَّهم أطلقوا ذلك فلا أدري ما الَّذي حمل النَّووي في ترجمة إبراهيم المذكور من كتاب «تهذيب الأسماء واللُّغات» على استنكار ذلك، ومبالغته حيث قال: هو باطلٌ وجسارة على الكلام في المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم من الزَّلل، ويحتمل أن يكون استحضرَ ذلك عن الصَّحابة المذكورين فرواه عن غيرهم ممَّن تأخَّر عنهم فقال ذلك.
          وقد استنكر قبله ابن عبد البرِّ في «الاستيعاب» الحديث المذكور فقال هذا: لا أدري ما هو، وقد وَلَدَ نوحٌ ◙ من ليس بنبيٍّ، وكما يلد غيرُ النَّبيِّ نبيًّا، فكذا يجوز عكسه حتَّى نَسَبَ قائله إلى المجازفة، والخوضُ في الأمور الغيبيَّة بغير علمٍ إلى غير ذلك مع أنَّ الَّذي نقل عن الصَّحابة المذكورين هي القضيَّة الشَّرطية، وهي لا تستلزمُ الوقوع.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ، وقد أخرجه ابن ماجه في ((الجنائز)).