نجاح القاري لصحيح البخاري

باب علامة حب الله عز وجل

          ░96▒ (بابُ عَلاَمَةِ حُبِّ اللَّهِ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <الحب في الله> (╡) قال الكرمانيُّ: هذا اللَّفظ يحتمل أن يرادَ به محبَّة الله تعالى للعبدِ فهو المحبُّ، وأن يرادَ محبَّة العبد لله تعالى فهو المحبوبُ، أو المحبَّة بين العباد في ذاتِ الله تعالى بحيث لا يشوبُها شيءٌ من الرِّياء، والآية مساعدة للأوَّلَين، واتباع الرَّسول علامةٌ للأولى؛ لأنَّها مسبَّبة للاتِّباع، وللثانيَّة لأنَّها سببه، وأمَّا المحبَّة فإنها إرادةُ الخير، فمِن الله: إرادة الثَّواب ومِن العبد: إرادة الطَّاعة، انتهى.
          (لِقَوْلِهِ) ╡: ({إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]) قيل: محبَّة العبد لله إيثار طاعتهِ على غيره، ومحبَّة الله للعبد أن يرضَى عنه ويحمدَ فعله، وأرادَ بإيراد هذه الآية الكريمة أنَّ علامةَ حبِّ الله أن يحبوا رسولَ الله صلعم ، فإذا اتَّبعوا رسولَ الله صلعم في شريعتهِ وسنتهِ يحبهم الله ╡، فيقعُ الاستدلال بها في الوجهين المذكورين باعتبارِ الإضافة في حبِّ الله تعالى. وقيل: محبَّة الله معرفته ودوام خشيته ودوام اشتغالِ القلب به وبذكرهِ وبدوامِ الأنس به، وقيل: هي اتِّباع النَّبي صلعم في أقوالهِ وأفعالهِ وأحوالهِ إلَّا ما خُصَّ به.
          واختلفَ في سبب نزولِ الآية فأخرج ابنُ أبي حاتم عن الحسنِ البصري قال: كان قومٌ يزعمون أنَّهم يحبُّون الله، فأرادَ الله أن يجعلَ لقولهم تصديقاً من عملٍ فأنزل هذه الآية: {قُلْ} يا محمد {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} فيما آمر به وأنهى عنه {يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] يعني: فمن ادَّعى محبَّته تعالى وخالفَ سنة رسوله، فهو كذَّاب وكتاب الله يكذِّبه.
          وذكر الكلبي في «تفسيره» عن ابن عبَّاس ☻ أنَّها نزلت حين قال اليهود: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18]. وفي ((تفسير محمد بن إسحاق)) عن محمد بن جعفر بن الزُّبير: نزلتْ في نصارى نجران، قالوا: إنما نعبدُ المسيح حبًّا لله وتعظيماً له. وفي «تفسير الضَّحاك» عن ابن عبَّاس ☻ أنَّها نزلت في قريش، قالوا: إنما نعبدُ الأصنامَ حباً لله لتقربنا إليه / زُلفى. فنزلت.