التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إذا لم يجد كفنًا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه

          ░27▒ بَابٌ إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلَّا مَا يُوَارِي رَأْسَهُ، أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى رَأْسَهُ.
          1276- ذَكَر فيه حديثَ خَبَّابٍ وفيه أَنَّ مُصْعَبَ بْنُ عُمَيْرٍ (قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ به إِلَّا بُرْدًا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ) الحديث، (فَأَمَرَنَا أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ).
          هذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ أيضًا، وفي بعضِ روايات البُخاريِّ: ((قُتِلَ يومَ أُحُدٍ ولم يترك إلَّا نَمِرةً)) وفي أُخرى: ((وترك نَمِرةً)) خرَّجه في المغازي [خ¦4047] [خ¦4082] وفي باب هجرةِ رسولِ الله صلعم [خ¦3897] وفي غيرِه [خ¦3914] [خ¦6448].
          ومعنى (أَيْنَعَتْ) نضجَتْ وأدركَتْ، ويُقالُ يَنَعَت، ومنه قولُه تعالى {وَيَنْعِهِ} [الأنعام:99] وقال الحَجَّاجُ في خُطبتِه: أرى رؤوسًا قد أينعتْ، أي حان قِطافُها. و(يَهْدبُهَا) يجتنِيها بضمِّ الدَّال وكسْرِها. وقولُ خبَّابٍ هذا إشفاقٌ ممَّا أَشْعَرَ به نفْسَهُ مِن الخوفِ مع أَخْذِهِم الكفافَ، وهذه صِفةُ المؤمن.
          وفيه أنَّ الثوب إذا ضاقَ فتغطيةُ الرَّأسِ أَوْلَى أن يُبدأ به مِن رِجلَيهِ لِشرفِها. قال المهلَّبُ: إنَّما أَمَرَ بِتغطيةِ الأفضلِ إذا أمكنَ ذلك بعد ستْرِ العورة، ولو ضاق الثَّوبُ عن تغطيةِ رأسِه وعورتِه لغُطِّيت بذلكَ عورتُه وجُعِلَ على سائرِه مِن الإذخِر _وهو بالذَّال المعجمَةِ معروفٌ_ لأنَّ ستْرَ العورةِ واجبٌ في حالِ الموتِ والحياة، والنَّظرُ إليها ومباشرتُها باليَدِ محرَّمٌ إلَّا مَن حَلَّ له مِن الزَّوجين. كذا قال، وهو ظاهرٌ على مَن يقول: إنَّ الكفن يكونُ ساترًا لجميعِ البدن وإنَّ الميِّتَ يصيرُ كلُّه عورةً، وإلَّا فالظَّاهرُ إنَّما سَتَرهُ طَلَبًا للأكمل.
          وفيه ما كان عليه صَدْرُ هذه الأُمَّةِ مِن الصِّدقِ في وصْفِ أحوالِهم، أَلَا ترى إلى قولِه: (فَمِنَّا مَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا) يعني لم يكسبْ مِن الدُّنيا شيئًا ولا اقتناه، وقَصَر نفْسَه عن شهواتِها لِيَنالَها موفَّرةً في الآخرة. (وَمِنَّا / مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ) يعني مَن كَسِبَ المالَ ونالَ مِن عَرَضِ الدُّنيا.
          وفيه أنَّ الصَّبْرَ على مكابدةِ الفقْرِ وصُعوبتِه مِن منازلِ الأبرارِ ودرجاتِ الأخيارِ، فَمَنْ صبَرَ على ذلك عُوفِيَ مِن حرِّ النَّارِ.
          فائدةٌ: (خَبَّابٌ) هو ابنُ الأَرَتِّ بتشديدِ المثنَّاةِ فوق، تميميٌّ وقيل خُزاعيٌّ، بدريٌّ مِن السَّابقين، ماتَ سنةَ سبعٍ وثلاثين وصَلَّى عليه عليٌّ.
          و(مُصْعَبُ بْنُ عُمَيرٍ) هو أوَّلُ مَن هاجرَ إلى المدينةِ كما سلف في البابِ قبلَهُ، وهو أخو أبي عَزيزٍ الذي فُدِيَ يومَ بدرٍ بأربعةِ آلافٍ ثمَّ أسلمَ وصحِبَ رسولَ الله صلعم ورَوَى عنه، وأختُهُما هندُ أمُّ شَيبةَ بن عثمانَ، أُمُّهم أمُّ خُنَاسٍ بنتُ مالكٍ مِن بني عامرِ بن لؤيٍّ، وأخوهم أبو الرُّومِ قديمُ الإسلامِ أُمُّه أمُّ رومةَ، وأبو يزيدَ أخوهُم قُتِلَ كافرًا يومَ أُحُدٍ، كلُّهم أولادُ عُمَيْرِ بن هاشمِ بن عبد مَنَافٍ، شهد أبو الرُّومِ أُحُدًا وقُتِلَ باليرموك، وقيل اسمُ أبي عَزِيزٍ زُرَارةُ وكان حاملَ لِواءِ المشركين يومَ بدرٍ، وأخوه مصعبٌ حامِلُ لِواءِ المسلمين يومَ بدرٍ ويومَ أُحُدٍ حتَّى قتلهُ ابنُ قَمِئَةَ اللَّيثيُّ _لعنهُ الله_ عن نيِّفٍ وأربعينَ سنةً.