التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما ينهى عن النوح والبكاء والزجر عن ذلك

          ░45▒ بَابُ مَا يُنْهَى مِنَ النَّوْحِ والبُكَاءِ والزَّجْرِ عَن ذَلِكَ.
          1305- ذَكَر فيه حديثَ عائِشَةَ: (لَمَّا جَاءَ قَتْلُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ...) إلى آخرِه.
          وقد سلف قريبًا في بابِ مَن جلسَ عند المصيبة يُعرَفُ فيه الحزن [خ¦1299] وشيخُه فيه (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَوْشَبٍ) قال الأَصِيليُّ: لم يَرْوِ عنه أحدٌ غيرُ البُخاريِّ. قلتُ: أَيْ مِن أصحابِ الكُتُبِ السِّتَّةِ، وإلَّا فقد رَوَى عنه ابن وَارةَ.
          1306- وحديثَ أمِّ عطيَّة: (أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلعم عِنْدَ البَيْعَةِ أَنْ لَا نَنُوحَ، فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ نِسْوَةٍ: أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ العَلاَءِ، وَابْنَةُ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، وَامْرَأَتَانِ _أَوِ ابْنَةُ_ أَبِي سَبْرَةَ، وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى).
          وهذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ أيضًا، وقد أسلفنا معنى هذا البابِ وأنَّ النَّوْحَ والبكاءَ على سُنَّةِ الجاهليَّةِ حرامٌ قد نَسَخَهُ الإسلامُ، أَلَا ترى أنَّه صلعم كان يشترط على النِّساءِ في بيعةِ الإسلامِ ألَّا ينُحْنَ تأكيدًا للنَّهْيِ وتحذيرًا منه.
          وفيه أنَّه مَن نُهي عمَّا لا ينبغي له فَفَعَلَهُ ولم ينْتَهِ أنَّه يُؤدَّبُ على ذلك ويُزجر، ألا ترى إلى قولِه: (فَاحْثُ فِي وجوههنَّ التُّرَابَ) حين انصرفَ إليه المرَّةَ الثَّالثةَ وقال إنَّهنَّ غَلَبْنَنَا، وهذا يدلُّ على أنَّ بكاءَ نساءِ جعفر وزيدٍ الَّذي نُهِينَ عنه لم يكن مِن النَّوْحِ المحرَّم؛ لأنَّه لو كان مُحرَّمًا لَزَجَرَهُنَّ حتَّى ينتهينَ عنه، ولا يُؤمَنُ على النِّساءِ عند بكائِهِنَّ الهائجِ لهنَّ أن يضعُفَ صبرُهُنَّ فيصِلْنَ به نَوْحًا محرَّمًا، فلذلك نهاهُنَّ قطعًا للذَّريعة.
          وفيه مِن الفقه أنَّ للعالِمِ أن يَنهَى عن المباح إذا اتَّصَلَ به فعلٌ محذورٌ أو خِيف مواقعتُه، فمن رتع حول الحمى يوشكُ أن يَقَعَ فيه، وهذا الحديثُ يَدُلُّ أنَّ قولَه صلعم في الحديثِ السَّالِفِ: ((فإذا وَجَبَتْ فلا تَبْكِيَنَّ باكيةٌ)) على النَّدْبِ جمعًا بين الأحاديث؛ فقد قال: ((لكنَّ حَمْزَةَ لا بَوَاكِيَ له)) وحديثُ أمِّ عطيَّةَ دالٌّ على أنَّ النَّوْحَ بِدَعْوَى الجاهليَّةِ حرامٌ لأنَّه لم يقعْ في البَيْعَةِ شَيْءٌ غيرُ فَرْضٍ.
          وقولُها: (فَمَا وَفَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرَ خَمْسِ) هو مصداقٌ لإخبارِ الشَّارعِ عنهنَّ بنَقْصِ العقلِ والدَّين، ومَن خُلِقَ مِنَ الضِّلع الأعْوَجِ كيف يستقيم ويرجِعُ إلى الحقِّ وينقاد؟! وفي أفرادِ مسلمٍ مِن حديثِ أبي مالكٍ الأشعريِّ مرفوعًا: ((أربعٌ في أُمَّتي مِن أمرِ الجاهليَّةِ لا يتركونَهنَّ: الفخرُ في الأحساب، والطَّعنُ في الأنساب، والاستسقاءُ بالنُّجُومِ، والنِّياحةُ)) وقال: ((النَّائحةُ إذا لم تتُبْ قبْلَ موتِها تُقام يومَ القِيامةِ وعليها سِرْبالٌ مِن قَطِرانٍ، ودِرْعٌ مِن جَرَبٍ)) وللبُخاريِّ عن ابنِ عبَّاسٍ موقوفًا: خِلالٌ مِن خلالِ الجاهليةِ: الطَّعنُ في الأنسابِ والنِّياحةُ، ونَسِيَ _يعني الرَّاوي_ الثَّالثةَ. قال سُفْيانُ: ويقولون إنَّها الاستسقاءُ بالأنواءِ.