التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن

          ░66▒ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى القَبْرِ بَعْدَمَا يُدْفَنُ.
          1336- ذَكَرَ فيه حديثَ الشَّعبيِّ السَّالفَ في باب الصَّلاة على الجَنازة [خ¦1322] وغيره.
          1337- وحديثَ أبي هُريرةَ في ذاك المسكين فصلَّى عليه، وهذا الحديثُ سَلَفَ بعضُه في بابِ الإذن بالجَنازة معلَّقًا [خ¦1247] ومسندًا في باب كَنسِ المسجد [خ¦458] وقد أسلفْنا هناكَ فوائِدَهُ.
          و(يَقُمُّ المَسْجِدَ) أي يكنُسُهُ، والقُمامةُ الكُناسةُ.
          وقولُه: (فَحَقَرُوا شَأْنَهُ) قال الدَّاوُدِيُّ: ليسَ كذلكَ وقد بيَّن أنَّهم إنَّما امتنعُوا للظُّلْمةِ وكراهِيَةِ إيقاظِه.
          وقد اختلفَ العلماءُ فيمن فاتَتْه الصَّلاةُ على الجِنازةِ هل يصلِّي على القبرِ؟ فرُوِيَ عن طائفةٍ مِن الصَّحابةِ وأتْباعِهم جوازُه، وبه قال الشَّافعيُّ وأحمدُ، واحتجُّوا بأحاديثِ البابِ وغيرِها، وقالوا: لا يُصلَّى على قبرٍ إلَّا قُرْبَ ما يُدفَنُ، وأكثرُ ما حدُّوا فيه شهرًا إلَّا إسحاقَ فإنَّه قال: يصلِّي الغائبُ على القبرِ إلى شهرٍ والحاضرُ إلى ثلاثةٍ.
          وكرِهَ قومٌ الصَّلاةَ على القبرِ، ورُوِيَ عن ابنِ عمرَ أنَّه كانَ إذا انتهى إلى جِنازةٍ قد صُلِّيَ عليها دعا وانصرفَ ولمْ يصلِّ عليها، وهو قول مالكٍ قال ابنُ القاسمِ: قلتُ لمالكٍ فالحديثُ؟ قال: قد جاءَ وليس عليه العملُ. وقال أبو الفَرَجِ: إنَّه خاصٌّ به لقولِه صلعم: ((إنَّ هذِه القبورَ مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها حَتَّى أُصلِّيَ عليها)) وعبارةُ ابنِ الحاجِبِ: ولا يُصلَّى على قبرٍ على المشهورِ، فإنْ دُفِنَ بغيرِ صلاةٍ فقولانِ وعلى النَّفْيِ ثالثُها: يُخْرَجُ ما لمْ يَطُل.
          وقال أبو حَنِيفةَ: لا يُصلَّى على قبرٍ مرَّتينِ إلَّا أن يُصلِّيَ عليها غيرُ وليِّها فيعيدُ وليُّها الصَّلاةَ عليها. وقال الطَّحاويُّ: يسقُطُ الفرضُ بالصَّلاةِ الأُولى إذا صلَّى عليها الولِيُّ، والثَّانيةُ لو فُعلتْ لم تكنْ فرضًا فلا يُصلَّى عليه لأنَّهم لا يختلفونَ أنَّ الوَلِيَّ إذا صلَّى عليه لم يَجُزْ له إعادةُ الصَّلاة ثانيةً لِسُقوطِ الفرضِ، قال: وكذلكَ غيرُه مِنَ النَّاسِ إلَّا أن يكونَ الَّذي صلَّى عليها غيرَ الوليِّ فلا يسقُطُ حقُّ الوليِّ لأنَّ الوليَّ كان إليه فعْلُ فرضِ الصَّلاة على الميِّت، وما رُوي عن الشَّارع في إعادةِ الصَّلاةِ فلأنَّه كان إليه فرضُ فِعْلِ الصَّلاة فلمْ يكنْ يُسْقِطُه فِعْلُ غيرِه، وقد كان صلعم تقدَّم إليهم أن يُعلمُوهُ. وقد قال صلعم: ((لا يموتُ منكم ميِّتٌ ما دمتُ بين أظهُرِكُم إلَّا آذنتمُونِي به فإنَّ صلاتي عليه رحمةٌ)).
          وقد ذَكَرَ ابنُ القصَّارِ نحوَ هذِه الحجَّةِ سواءً، واحْتَجَّ أيضًا بالإجماعِ في تَرْكِ الصَّلاةِ على قبرِ النَّبيِّ صلعم، ولو جازَ ذلكَ لكانَ قبرُه أَولى أن يُصلَّى عليه أبدًا، وكذا أبو بكرٍ وعمرَ، فلمَّا لم يُنقَلْ أنَّ أحدًا صلَّى عليهم كانَ ذلكَ مِنْ أقوى الدِّلالةِ على أنَّه لا يجوزُ.
          واختلفُوا فيمن دُفِنَ ونُسِيَتِ الصَّلاةُ عليه، فقال أبو حَنِيفةَ ومحمَّدٌ: يُصلَّى على القبرِ ما بينَهم وبينَ ثلاثٍ، وقال ابنُ وَهْبٍ: إذا ذَكروا ذلك عند انصرافِهم مِنْ دفْنِه فإنَّه لا يُنبَشُ ولْيُصلُّوا على قبرِه، وقاله يَحيى بن يحيى. وعنِ ابنِ القاسم أنَّه يُخرَجُ بحضْرَةِ ذلك ويُصلَّى عليه وإنْ خافُوا أن يتغيَّر، وقاله عيسى بنُ دِينارٍ، وعن ابنِ القاسِمِ قال: وكذلك إذا نَسُوا غسلَه مع الصَّلاةِ عليه، وعن مالكٍ: إذا نُسِيتْ حينَ فُرِغ مِنْ دفنِه لا يُنبَشُ ولا يُصلَّى على قبرِه ولكن يدعُونَ له، وهو قولُ أشهبَ وسُحنون، ولم يرَوا الصَّلاةَ على القبرِ.