التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الإذخر والحشيش في القبر

          ░76▒ بَابُ الإِذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي القَبْرِ.
          1349- ذَكَرَ فيه حديثَ ابنِ عبَّاسٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم: (حَرَّمَ اللهُ تَعَالَى مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي) الحديث إلى قولِه: فَقَالَ: / (إِلَّا الإِذْخِرَ). وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبيِّ صلعم: (لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا).
          وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم مِثْلَهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ.
          الشَّرْحُ: أمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ فسيأتي إن شاءَ اللهُ في الحجِّ [خ¦1587] وتعليقُ أبي هُريرةَ قد أسندَه في كتابِ العلمِ في بابِ كتابة العلم كما سَلَفَ [خ¦112] وأمَّا تعليقُ أَبَان فأسندهُ ابنُ ماجَه مِن حديثِ ابنِ إسحاقَ عن أبَان، وأمَّا تعليقُ مجاهدٍ.
          و(الْإذْخِرَ) بالذَّالِ المعجمَةِ الحشيشُ يُتَّخَذُ بمكَّةَ كالتِّبنِ يوقِدُه الصَّائغُ والحدَّادُ ويُجعلُ في الطِّينِ لتُملَّسَ به القبورُ والبيوتُ ويُسمَّى حَلْفاءَ مكَّةَ، وقال ابنُ فارسٍ: الإذْخِرُ حشيشةٌ طيِّبةٌ.
          وقام الاتِّفاقُ على جوازِ قطعِ الإِذْخِرِ خاصَّةً مِنْ مَنْبَتِه مِنْ مكَّةَ لَمَّا ذكرُوا أنَّ غيرَه مِن النَّباتِ يحرُمُ قلعُه، ويجوزُ عند العلماءِ استعمالُ الحشيشِ وهو الورَقُ السَّاقطُ والعشبُ المتكسِّرُ، وإنَّما يحرُم قطْعُه مِن منبَتِهِ فقطْ.
          والحديث دالٌّ على جوازِ استعمالِ الإِذْخِرِ وما جانسَهُ مِن الحشيشِ الطَّيِّبِ الرَّائحةِ في القبورِ والأمواتِ، وأهلُ مكَّة يستعملونَ مِن الإذخِرِ ذريرَهُ ويُطيِّبونَ بها أكفانَ الموتَى، ففَهِم البُخاريُّ أنَّ ما كان مِنَ النَّباتِ في معنى الإذخِرِ فهو داخلٌ في الإباحةِ كما أنَّ المِسكَ وما جانَسَهُ مِنَ الطِّيبِ في الحَنُوط داخلٌ في معنى إباحةِ الكافور للميِّت.
          وقولُه: (إِلَّا الإِذْخِرَ) يجوزُ أن يكونَ أُوحِيَ إليه تلكَ السَّاعةَ أو مِن اجتهادِه.
          وقولُه: (لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا) وفي الأخرى: (لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا) وفي الأُخرَى: (لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ) يحتملُ أنْ يكونَ قال كلَّ ذلكَ فاقتصَرَ كلُّ راوٍ على بعضٍ، وكلُّه مِنْ قولِ العبَّاسِ بخلافِ ما ذَكَرَ الدَّاوُديُّ في قولِه: (لِصَاغَتِنَا) ولعلَّه أرادَ روايةً أُخرى.
          والمرادُ بالسَّاعةِ مِنَ النَّهارِ يومُ الفتحِ، قال مالكٌ: افتُتِحَتْ مكَّةُ في تسعَةَ عشرَ يومًا مِنْ رمضانَ على ثمانِ سنينَ مِنَ الهجرةِ، وقال يَحيى بنُ سعيدٍ: دخلَ صلعم مكَّةَ عامَ الفتْحِ في عشرةِ آلافٍ أو اثني عشَرَ ألفًا، قدْ أكبَّ على وسطِ راحِلَتِه حَتَّى كادتْ تنكسِرُ به، يُريدُ تواضعًا وشكرًا لربِّه تعالى.
          والخَلَى مقصورٌ ووقعَ عندَ أبي الحسَنِ بالمدِّ وهو في اللُّغةِ مقصورٌ، وهو جمْعُ خَلاةٍ وهو الحشيشُ اليابسُ، قاله جماعةٌ مِن أهلِ اللُّغَةِ، وقال الدَّاوُدِيُّ: هو الحشيشُ الرَّطْبُ، وكذلكَ في «أدبِ الكاتبِ» أنَّه الرَّطْبُ وقاله القَزَّازُ، ويُكتَبُ بالياءِ.
          والعَضْدُ: الكَسْرُ، وقيل القَطْعُ.
          (وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا) أي لا يُطرَدُ مِنَ الظِّلِّ ويُقعَدُ مكانَه.
          وقولُه: (إِلَّا لِمُعَرِّفٍ) أي منشدٍ، وقيل: تُعرَّف سَنَةً كغيرِها، وفي الشَّجرةِ الكبيرةِ بَقَرةٌ وفي الصَّغيرةِ شاةٌ، قاله عطاءٌ والشَّافعيُّ، وقالَ مالكٌ: أساءَ ولا شيءَ عليهِ، وستكونُ لنا عودةٌ إليه في آخِرِ الحَجِّ في أبوابٍ مفرَّقةٍ إنْ شاء الله تعالى.