التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري

          ░7▒ بابُ قَوْلِ الرَّجُلِ للمَرْأَةِ عِنْدَ القَبْرِ: اصْبِري.
          1252- ذَكَرَ فيه حديثَ أَنَسٍ: (مَرَّ النَّبِيُّ صلعم بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي) الحديث.
          هذا الحديثُ صحيحٌ أخرجه مسلمٌ أيضًا ويأتي في الأحكامِ أيضًا.
          وإنَّما أمرها صلعم بالصَّبْرِ لِعظيمِ ما وعد اللهُ عليه مِن جزيلِ الأجر. قال ابن عونٍ: كلُّ عملٍ له ثوابٌ إلَّا الصَّبرَ، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الرمز:10] فأرادَ صلعم أَلَّا يجتمِعَ عليها مصيبتان: مصيبةُ الهلاكِ، ومصيبةُ فقْدِ الأجْرِ الَّذي يُبطِلُه الجزعُ، فأَمَرَها بالصَّبْرِ الَّذي لا بُدَّ للجازعِ مِن الرُّجوعِ إليه بعد سقوطِ أَجْرِه، وقد أحسنَ الحسنُ بنُ أبي الحسنِ البصريُّ في البيانِ عن هذا المعنى فقال: الحمد لله الذي آجرَنا على ما لا بٌدَّ لنا منه، وأثابَنا على ما لو تكلَّفْنا سواهُ صِرْنا إلى معصيتِه. فلِذلِكَ قال لها صلعم: (اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي) أي اتَّقي معصيتَه بلزومِ الجَزَعِ الَّذي يُحبطُ الأجرَ واستشعرِي الصَّبرَ على المصيبةِ بما وعدَ الله على ذلكَ.
          وقال بعض الحكماء لِرَجُلٍ عزَّاه: إنَّ كلَّ مصيبةٍ لم يذهبْ فَرَحُ ثوابِها بأَلَمِ حُزنِها لَهِيَ المصيبةُ الدَّائمةُ والحزنُ الباقي.
          وفي الحديثِ دليلٌ على جوازِ زيارةِ القبورِ لأنَّه لو لم يَجُزْ لَمَا تَرَكَ بيانَه ولأنكَرَ على المرأةِ خلوتَها عند القبرِ، وسيأتي تمامُ هذا المعنى في بابِه إن شاء الله. وفيه دِلالةٌ أيضًا على تواضعِه وكونِه لم ينتهِرْها لَمَّا ردَّتْ عليه قولَه بل عَذَرَها بمصيبتِها، وذلك مِن خُلُقِه الكريم. وفيه النَّهيُ عن البكاءِ بعد الموت. وفيه الموعظةُ للباكي بتقوى اللهِ والصَّبرِ كما سلف.