التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من يقدم في اللحد

          ░75▒ بَابُ مَنْ يُقَدَّمُ فِي اللَّحْدِ.
          وَسُمِّيَ اللَّحْد لِأَنَّهُ فِي نَاحِيَةٍ، وَكُلُّ جَائِرٍ مُلْحِدٌ. {مُلْتَحَدًا} [الكهف:27] مَعْدِلًا، وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ ضَرِيحًا.
          1347- 1348- ذَكَرَ فيه حديثَ جابرٍ عن ابن مُقَاتِلٍ، أَخبرنَا عَبْدُ اللهِ _هو ابنُ المبارَكِ_ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، قَالَ _يعني ابنَ المبارَكِ_ وَأَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهريِّ عَنْ جَابِرٍ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَقُولُ لِقَتْلَى أُحُدٍ: (أَيُّ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ؟) فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى رَجُلٍ قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ صَاحِبِهِ. قَالَ جَابِرٌ: فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ وَاحِدَةٍ.
          وَقَال سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَني الزُّهريُّ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرًا.
          وما ذَكَرَهُ في تسميةِ اللَّحْدِ هو ما ذكرَهُ أبو عُبيدٍ في كتابِه «المجاز». وأَلْحَدَ أجوَدُ مِنْ لَحَدَ، وكذلكَ فُعل بسيِّدنا رسولِ الله صلعم، وهو أفضلُ مِنَ الشَّقِّ إن صَلُبَتِ الأرضُ.
          وقولُه: (فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ) سمَّاه عمًّا تعظيمًا له وتكريمًا لأنَّه عمرُو بنُ الجَمُوحِ بنِ زيد بن حَرامٍ، وعبدُ الله أبو جابرٍ هو ابنُ عمْرِو بنِ حَرامٍ فهو ابنُ عمِّه وزوجُ أختِه هند بنت عمرٍو.
          رَوَى القَعْنَبيُّ عن مالكِ بن أنسٍ أنَّ عبدَ الله بن عمرٍو وعمرَو بن الجَموح كُفِّنا في كفنٍ واحدٍ وقُبِرا في قبرٍ واحدٍ، وحَكَى غيرُه أنَّ السَّيْلَ كان قد ضربَ قبرَهُما فحُفِرَ عنهُما لِيُغَيَّرا مِنْ مكانِهِما فوُجدا لم يَتَغيَّرا كأنَّما ماتا بالأمس، وكان أحدُهُما قد جُرِحَ ووَضعَ يدَه على جُرْحِهِ فدُفِنَ وهو كذلكَ، فَأُميطتْ يدُه عن جُرحِه ثُمَّ أُرسِلَتْ فرجَعَتْ كما كانتْ، وكان بينَ يومِ أُحُدٍ ويومِ حُفِرَ عنهما ستٌّ وأربعونَ سنةً، ذَكَرَ ذلكَ ابنُ سعدٍ.
          والنَّمِرة: كساءٌ مِنْ شَعرٍ له هُدْبٌ.
          وقولُه: (عَن الزُّهريِّ عَنْ جَابِرٍ) وقولُه ثانِيًا عن الزُّهريِّ: (حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرًا) يدلُّ أنَّ الأوَّلَ ليسَ بجيِّدٍ لا جَرَمَ قالَ ابنُ التِّيْنِ: إنَّه ليسَ بصحيحٍ، ليسَ للزُّهريِّ سماعٌ مِنْ جابرٍ لأنَّ جابرًا توفِّي سنةَ ثمانٍ وثمانين، وفي «الكاشِفِ»: سنةَ ثمانٍ وسبعين. ووالِدُه كانَ أَحَدَ النُّقباءِ.