التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من استعد الكفن في زمن النبي فلم ينكر عليه

          ░28▒ بَابُ مَنِ اسْتَعَدَّ الكَفَنَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صلعم فَلَم يُنْكَرْ عَلَيهِ.
          1277- ذَكَرَ فيه حديثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ (أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صلعم بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ) الحديث. وفيه: (إنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، فَكَانَتْ كَفَنَهُ).
          هذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ أيضًا، وهو ظاهرٌ لِمَا ترجم له مِن إعداد الكفن.
          وفيه هديَّةُ المرأةِ إلى رسولِ الله صلعم، وقَبولُ السُّلطانِ إيَّاها مِن الفقير، وتَرْكُ مكافأتِه عليها بخلافِ مَن قال: إنَّ هديَّةَ الفقيرِ للمُكافأةِ، مع أنَّ مِن شأنَّه صلعم المكافأةَ. وفيه أنَّه يَسَلُ السُّلطانَ الفاضلَ والرَّجُلَ العالمَ الشَّيءَ الَّذي له القيمةُ لِيُتَبَرَّكَ به.
          وقولُه: (فِيهَا حَاشِيَتُهَا) أي أنَّها لم تُقطَعْ مِن ثوبٍ فلا تكونُ لها حاشيةٌ، أو تكونُ لها حاشيةٌ واحدةٌ لأنَّها بعضُ ثوبٍ، قاله الدَّاوديُّ، وقال غيرُه: حاشيةُ الثَّوب هُدْبُهُ، فكأنَّها جديدةٌ لم تُقْطَعْ ولم تُلْبَسْ لأنَّها دائرةٌ بَعْدُ وفِيهَا حَاشِيَتُهَا. قال القزَّاز: حاشِيَتا الثَّوبِ ناحِيَتَاهُ اللَّتانِ في طَرَفِهِما الهُدْبُ، وقال الجوهريُّ: الحاشيةُ واحِدَةُ حواشي الثَّوبِ وهي جوانبُه.
          وفيه ما كان النَّبيُّ صلعم يُعطِي حتَّى لا يجدُ شيئًا فيدخُلُ بذلك في جُملةِ المؤثِرينَ على أنفُسِهِم ولو كان بهم خصاصةٌ. وفيه جوازُ المسألةِ بالمعروفِ، وأنَّه لم يكن يَرُدُّ سائلًا. وفيه بَرَكَةُ ما لَبِسَهُ الشَّارعُ ممَّا يلي جسدَه.
          وفيه جوازُ إعدادِ الشَّيءِ قبل وقتِ الحاجةِ إليه، وقد حفَرَ قومٌ مِن الصَّالحينَ قبورَهم بأيدِيهِم لِيَمْتَثِلُوا حلولَ الموتِ فيهم، وأفضلُ ما يُنظَرُ فيه في وقتَ الْمُهَلِ وفُسْحَةِ الأجَلِ الاعتدادُ للمَعاد، وقد قال صلعم: ((أفضلُ المؤمنين إيمانًا أكثرُهم للموتِ ذِكْرًا وأحسنُهم له استعدادًا)) وقال الصَّيْمَرِيُّ: لا يُسَتحبُّ أن يُعِدَّ الإنسانُ لنفْسِه كفنًا لئلا يحاسَب عليه، وهو صحيحٌ إلَّا إذا كان مِن جهةٍ يقطَعُ بِحِلِّها أو مِن أَثَرِ أهل الخير والصُّلحاءِ والعُبَّاد فإنَّه حَسَنٌ.