التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب موت الفجأة البغتة

          ░95▒ بَابُ مَوْتِ الفَجْأَةِ بَغْتَةً.
          1388- ذَكَرَ فيه حديثَ عائشةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلعم: إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ).
          الشَّرح: كأنَّ البُخاريَّ أرادَ تفسيرَ الفجأَةِ بقولِه: (بَغْتَةً) وهو كما قال، وهوَ بِضَمِّ الفاءِ ممدودٌ وبفتْحِها مع إسكانِ الجيمِ، وهذا الرَّجُلُ هو سعدُ بنُ عُبادةَ كما نقلَهُ أبو عمرَ، وقد ذَكَرَ البُخاريُّ فيما سيأتي مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّ سعدَ بنَ عُبادةَ استفتَى رسولَ الله صلعم في نَذْرٍ كانَ على أُمِّهِ توُفِّيَتْ قَبْلَ أنْ تقضِيَهُ، فقالَ: ((اقْضِهِ عَنْهَا)) [خ¦2761].
          ولأبي داود: إِنَّ امرأةً قالتْ: يا رسولَ الله، إِنَّ أُمِّي افتُلِتَتْ نفسُها. الحديث، ولمسلمٍ: إِنَّ أمِّي ماتتْ وعليها صومٌ. وللنَّسائيِّ عن ابن عبَّاسٍ عن سعدِ بنِ عُبادةَ أَنَّه قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ إنَّ أمِّي ماتتْ فأيُّ الصَّدقةِ أفضلُ؟ قال: ((الماءُ)) جَعَلَهُ مِنْ مسنَدِ سعدٍ. ولمسلمٍ عن أبي هُريرةَ أنَّ رجلًا قال: يا رسولَ الله إِنَّ أَبي ماتَ وترك مالًا ولم يوصِ، فهل يُكفِّر ذلكَ عنهُ أنْ أتصدَّق؟ قال: ((نعم)) فالقصَّة إِذنْ متعدِّدَةٌ.
          وعندَ ابنِ أبي الدُّنيا مِن حديثِ عبيدِ الله بنِ الوَلِيدِ عن عبدِ الله بن عُبيدِ بن عميرٍ عن عائشةَ: سَأَلْتُ رسُولَ الله صلعم عن موتِ الفجْأَةِ فقال: ((راحةُ المؤمنِ، وأسفٌ على الفاجرِ)) ومِن حديثِ أبي كُرْزٍ عن أنسٍ قال: مِن أشراطِ السَّاعَةِ حفزُ الموتِ، قيل: يا أبا حمزةَ وما حفزُ الموتِ؟ قال: موتُ الفجْأَةِ. وفي «المصنَّف» مِن حديثِ مُجالِدٍ عن الشَّعبيِّ، كان يُقال: مِن اقترابِ السَّاعَةِ موتُ الفجأةِ. وعن تميم بن سَلَمةَ عن رجلٍ مِن الصَّحَابةِ: هي أَخْذَةُ غَضَبٍ. ومِن حديث عُبيد بن خالدٍ: هي أَخْذَةُ أَسَفٍ. وقال إبراهيم: كانوا يكرهونَ أَخْذَةً كَأَخْذَةِ الأَسَفِ، وفي لفظٍ: كانوا يكرهون موتَ الفجْأَةِ، وعن عائشةَ وابنِ مَسْعودٍ: هي رأفةٌ بالمؤمنِ وأَسَفٌ على الفاجرِ، وقال مُجاهدٌ: هي مِن أشراطِ السَّاعةِ.
          والافْتِلَاتُ عندَ العربِ المباغتةُ، تقولُ: ماتَ بغتةً، وَإِنَّمَا هو مأخوذٌ مِن الفَلْتَةِ. والأسَفُ الغضبُ، ويحتمل أنْ يكون ذلكَ والله أعلمُ لِمَا في موتِ الفجأةِ مِن خوفِ حِرمانِ الوصيَّةِ وتَرْكِ الإعدادِ للمَعادِ والاغترارِ بالآمالِ الكاذبةِ والتَّسويفِ بالتَّوبةِ، وقد رُويَ مِن حديثِ يَزِيدٍ الرَّقاشِيِّ عن أنسٍ قال: كنَّا نمشي مع رسُولٍ الله صلعم فجاء رجلٌ فقالَ: يا رسُولَ اللهِ ماتَ فلانٌ فقالَ: ((أَلَيْس كان معنا آنِفًا؟)) قالوا: بلى، قال: ((سبحانَ الله! كأَنَّهُ أخذَهُ على غَضَبٍ، المحرومُ مَن حُرِمَ وصيَّتَهُ)) ذَكَرَهُ ابنُ أبي الدُّنيا في كتابِ «ذِكْرِ الموتِ» ورُوي عن عُبيد بن عُميرٍ: توشِكُ المنايا أنْ تسبقَ الوصايا.
          وقولُه: فَهَلْ لَهَا مِنْ أَجْرٍ إنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: (نَعَمْ) هو كقولِه صلعم: ((إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُهُ إِلَّا مِنْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ)) الحديث.
          وقولُه: (افْتُلِتَتْ) يريدُ ماتتْ فجأةً كما سَلَفَ، ويجوزُ ضمُّ (نَفْسهَا) ونَصْبُهُ.