التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب حمل الرجال الجنازة دون النساء

          ░50▒ بَابُ حَمْلِ الرِّجَالِ الجِنَازَةَ دُوْنَ النِّسَاءِ.
          1314- ذَكَر فيه حديثَ أبي سعيدٍ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي) الحديث.
          وترجَمَ عليه باب قول الميِّت على الجنازة: قدِّموني [خ¦1316] وهو مِن أفرادِه، وخرَّجهُ أيضًا في بابِ كلام الميِّت على الجنازةِ [خ¦1380] ووجهُ مناسبتِه للتَّرجمةِ قولُه: (وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ) فالنِّساءُ يضعُفْنَ عن ذلك ولو كان الميِّتُ أنثى، وربَّما انكشفَ منها شيءٌ بسبِبِه.
          إذا عرفتَ ذلك فالكلامُ عليه مِن أوجُهٍ:
          أحدها: قولُه: (إِذَا وُضِعَتِ) الظَّاهرُ أنَّ المرادَ وَضْعُها على أعناقِهم، ويحتمل أنْ يريد الوضعَ على السَّرير، وسُئل في «المدوَّنة»: مِن أيِّ جوانب السَّريرِ أحمِلُ، وبأيِّها أبدأُ؟ فقال: ليس فيه شيءٌ مؤقَّتٌ، ورأيتُه يرى الَّذي يَذكُرُ النَّاسُ يبدأ باليمينِ بدعةً. وقال ابنُ مسعودٍ: حَمْلُ الأرْبَعِ هي السُّنَّةُ، وبه قال أشهب وابنُ حبيبٍ واختَلَفا في صِفة الحمْلِ فقال أشهب: يبدأُ بالمقدَّم الأيمنِ مِن الجانبِ الأيمنِ ثمَّ المؤخَّر _يريد الأيمنَ_ ثمَّ المقدَّم الأيسر ثمَّ يختم بالمؤخَّر الأيسر، وقال ابنُ حبيبٍ: يبدأ بيمينِ الميِّتِ _وهو يسارُ السَّريرِ المقدَّم_ ثمَّ الرِّجْل اليُمنَى مِن الميِّت ثمَّ الرِّجْل اليسرى ثمَّ يختم بالمقدَّم الأيمنِ وهو يسار الميِّت.
          ثانيها: قولُه: (فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي) وذلك أنَّ تأخيرَها لا فائدةَ فيه، وفي تعجيلِها سترٌ لها ومبادرةٌ لغيرِها.
          وقولُه: (وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا) وفي الرِّوايةِ الأُخرى: ((قَالَتْ لِأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا)) [خ¦1316] وهي كلمةٌ تقولُها العربُ عند الشَّرِّ تقعُ فيه، وتقولُ ذلك لغيرِه، وويحَكَ وَوَيْكَ وَوَيْسَكَ ومعناهنَّ واحد، وقيل: الويلُ وادٍ في جهنَّمَ. والمتكلِّمُ بذلك الرُّوحُ ويجوزُ أن يردَّهُ اللهُ تعالى إليه، فإنَّما يسمَعُ الرُّوحَ مَن هو مِثْلُهُ ويجانِسُه وهم الملائكةُ والجِنُّ.
          ومعنى (صَعِقَ) ماتِ، والمرادُ يَسمعُها كلُّ شيءٍ مميِّز وهمُ الملائكة والجنُّ وإنْ رُوِيَ أنَّ البهائمَ تسمعُها. وقد بيَّنَ ◙ المعنى الَّذي مِن أَجْلِهِ مُنِعَ الإنسانُ أنْ يسمعَها، وهو أنَّه كان يُصعَقُ لو سَمِعَها، فأراد اللهُ تعالى الإبقاءَ على عبادِه والرِّفْقَ بهم في الدُّنيا لِتُعْمَرَ ويقعَ فيها البلوى والاختبار.