التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التعوذ من عذاب القبر

          ░87▒ بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
          1375- ذَكَرَ فيه حديثَ يَحْيَى _هوَ ابنُ سَعيدٍ_ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ البَرَاءِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ: (خَرَجَ النَّبِيُّ صلعم وَقَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ فَسَمِعَ أَصْوَاتًا فَقَالَ: يَهُودُ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا). وَقَالَ النَّضْرُ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَوْنٌ، سَمِعْتُ أَبِي، سَمِعْتُ البَرَاءَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ النَّبيِّ صلعم.
          1376- وحديثَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي بِنْتُ خَالِدِ بن سَعِيدِ بْنِ العَاصِ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبيَّ صلعم وَهُوَ (يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ).
          1377- وحديثَ أبي هُريرةَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَدْعُو: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ).
          الشَّرح: تقدَّمَتْ هذِهِ الأحاديثُ في مواضِعِها، وتعليقُ النَّضْرِ أتى به ليَحيى بن سعيدٍ لأنَّ فيها كلَّ واحدٍ صرَّحَ بالسَّمَاعِ ممَّن فوقَه، وقد وصَلَهُ الإسماعيليُّ حدَّثَنَا مكِّيٌّ حدَّثنا زَاجٌ حدَّثنا النَّضْرُ حدَّثنا شعبةُ. وهو حديثٌ فيه ثلاثةٌ صحابيُّونَ يروي بعضُهم عن بعضٍ أوَّلُهُم أبو جُحَيفَةَ.
          وهَذِهِ الأحاديثُ شاهدةٌ للأحاديثِ الَّتي في البابِ السَّابقِ أنَّ عَذَابَ القبرِ حقٌّ على ما ذهبَ إليه أهلُ السُّنَّةِ، ألا ترى أنَّ الشَّارعَ استعاذَ منه وهو معصومٌ مطهَّرٌ مغفورٌ له ما تقدَّمَ مِن ذنبِه وما تأخَّرَ؟ فينبغي لك يا مَن انتَفَتْ عصمتُه وطهارتُه أن تُكْثِرَ منه تأسِّيًا بسيِّدِ السَّاداتِ، وإِنَّمَا استعاذَ مع غُفرانِه تعليمًا لكَ وتنبيهًا على الاقتداءِ به واتِّباعِ هديِه، ثُمَّ كلُّ الخلْقِ في مَقامِ الافتقارِ والخُشُوعِ والانكسارِ، والإقرارُ بشكْرِ النِّعَمِ واجبٌ، وخشيةُ كلِّ أحدٍ على قَدْرِ مَقامِه ((أفلا أكونُ عبدًا شَكُورًا)) وقد قال تعالى له: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ} [الأحزاب:1] أي دُمْ على تقواهُ، فكان إذا قامَ في الصَّلاةِ يُسمَع لصدرِه أزيزٌ.
          و(فِتْنَةِ الْمَحْيَا) مِن خُرُوجِهِ، وفتنةُ (المَمَاتِ) فتنةُ القَبْرِ، و(فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) أي الَّذي يخرُجُ في آخِرِ الزَّمَانِ أَعاذنَا اللهُ منهُ.