إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان رسول الله قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها

          2948- 2949- وبه قال: (وَحَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذَرٍّ: ”حدَّثنا“ (أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هو ابن موسى المروزيُّ أبو العبَّاس مردويه، زاد الكلاباذيُّ: السِّمسار قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك قال(1): (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) بن يزيد (عَنِ) ابن شهابٍ (الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ) جدِّي (كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ) اعترضه الدَّارقُطنيُّ: بأنَّ عبد الرَّحمن لم يسمع من جدِّه كعب، وإنَّما سمع من أبيه عبد الله، واستدلَّ لذلك بما رواه سويد بن نصر عن ابن المبارك حيث قال: عن أبيه عن كعب، كما قال الجماعة، لكن جوَّز الحافظ ابن حجرٍ سماعه له من جدِّه كأبيه، وثبَّته فيه أبوه، فكان في أكثر الأحوال يرويه عن أبيه عن جدِّه، وربما رواه عن جدِّه، لكن رواية سويد بن نصر توجب أن يكون الاختلاف فيها على ابن المبارك، وحينئذٍ فتكون رواية أحمد بن محمَّد شاذَّةً، ولا يترتَّب على تخريجها كبير تعليلٍ، فإنَّ الاعتماد إنَّما هو على الرِّواية المتَّصلة. انتهى. وحمله بعضهم على(2) أن يكون ذكر «ابن» موضع «عن» تصحيفًا من بعض الرُّواة، فكأنَّه كان(3): أخبرني عبد الرَّحمن بن عبد الله عن كعب بن مالكٍ(4) ( ☺ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم قَلَّمَا) بوصل اللَّام بالميم، وفي نسخة أبي ذرٍّ: ”قلَّ ما“ بفصلها منها (يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرَّى) بتشديد الرَّاء، أي: سترها وكنَّى عنها (بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ) في رجب سنة تسعٍ من الهجرة، بتقديم المثنَّاة الفوقيَّة على المهملة، والمشهور في «تبوكَ» عدم(5) الصَّرف للعلمية والتَّأنيث، ومَن صرفها أراد الموضع (فَغَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صلعم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا) بفتح الميم والفاء(6) والزَّاي: البريَّة الَّتي بين المدينة وتبوكَ، سُمِّيت مفازًا؛ تفاؤلًا بالفوز، وإلَّا فهي مَهْلكةٌ كما قالوا لِلَّديغ: سَلِيمٌ (وَاسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ كَثِيرٍ فَجَلَّى) قال الزَّركشيُّ وابن حجر والدَّمامينيُّ وغيرهم: بالجيم وتشديد اللَّام، زاد ابن حجرٍ فقال: ويجوز تخفيفها، وقال العينيُّ: بتخفيف اللَّام، وضبطه الدِّمياطيُّ في حديث كعب(7) في «المغازي» [خ¦4418] بالتَّشديد. وهو خطأٌ، أي: أظهر (لِلْمُسْلِمِينَ(8) أَمْرَهُمْ) بالجمع، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي‼: ”أمره“ (لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ) أي: ليكونوا على أهبةٍ(9) يلاقون بها عدوَّهم، ويعتدُّوا(10) لذلك (وَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ) أي: بجهته التي يريدها، وهي جهة تبوك. (وَ)(11) بالسَّند السَّابق عن ابن المبارك (عَنْ يُونُسَ) بن يزيد (عَنِ) ابن شهابٍ (الزُّهْرِيِّ قَالَ / : أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) عمُّ عبد الرَّحمن بن عبد الله (بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ☺ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يَقُولُ: لَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَخْرُجُ) في يومٍ من الأيَّام (إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ إِلَّا يَوْمَ الخَمِيسِ) فإنَّ أكثر خروجه في السَّفر فيه. وقد وهم مَنْ زعم أنَّ هذا الحديث معلَّقٌ.


[1] «قال»: ليس في (د).
[2] «على»: ليس في (م).
[3] في (م): «قال».
[4] قال السندي في «حاشيته»: قوله: (أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالكٍ) هذا يفيدُ سماع عبد الرَّحمن من جدِّه، والرِّواية السَّابقة تفيد أنَّه سمع من أبيه، وأبوه سمع من جدِّه، فجوَّز الحافظُ ابن حجر سماعه منهما، فتارةً يرويه بلا واسطةٍ، وتارةً بواسطة أبيه، وقال القسطلاني: وحمله بعضُهم على أن يكون ذكر «ابن» موضع «عن» تصحيفًا من بعض الرُّواة فكأنَّه قال: أخبرني عبد الرَّحمن بن عبد الله عن كعب بن مالك.انتهى. قلت: وهذا أيضًا تصحيفٌ، والصَّواب: أخبرني عبد الرحمن عن عبد الله بن كعب. فالحاصل أنَّا إذا قلنا: بالتَّصحيف، فالصَّواب أن نقول: ابن عبد الله موضع: عن عبد الله، لا: ابن كعب، موضع: عن كعب، كما ذكره القسطلَّاني، والله تعالى أعلم.
[5] في (ب) و(س): «منع».
[6] «والفاء»: ليس في (م).
[7] في الأصول: «في حديث سعد» تبعًا لما في العمدة، والصواب المثبت انظر [خ:4418].
[8] «للمسلمين»: ليس في (د1) و(ص).
[9] زيد في (د)و (م): «العدوِّ».
[10] في (د) و(م): «ويعتدُّون».
[11] زيد في (م): «قال».