إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رسول الله كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام

          2940- 2941- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزَّاي، ابن محمَّد بن حمزة بن مصعب بن عبد الله بن الزُّبير بن العوَّام، أبو إسحاق القرشيُّ الأسديُّ الزُّبيريُّ(1) المدنيُّ قال(2): (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) بسكون العين، ابن إبراهيم بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ الزُّهريُّ القرشيُّ (عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) بفتح الكاف (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ عُبَيْدِ(3) اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ) بن مسعودٍ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ ☻ : أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَتَبَ) كتابًا (إِلَى قَيْصَرَ) ملك الرُّوم، واسمه: هرقل (يَدْعُوهُ) فيه (إِلَى الإِسْلَامِ، وَبَعَثَ) ╕ (بِكِتَابِهِ) هذا (إِلَيْهِ) إلى قيصر (مَعَ دِحْيَةَ الكَلْبِيِّ) في آخر سنة ستٍّ بعد أن رجع من الحديبية (وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم ) أي: أمر دحية (أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ) أهل (بُصْرَى) بضمِّ الموحَّدة وسكون الصَّاد المهملة وفتح الرَّاء مقصورًا: مدينة حوران ذات‼ قلعةٍ بين الشَّام والحجاز، وعظيمها أميرها الحارث بن(4) شمر الغسَّانيُّ (لِيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ) عند غلبة جنوده الرُّوم عليهم في سنة عمرة الحديبية (مَشَى مِنْ حِمْصَ) مجرورٌ بالفتحة لأنَّه غير منصرفٍ للعلميَّة والتَّأنيث. وزاد ابن إسحاق عن الزُّهريِّ: أنَّه كان يُبسَط له البُسُط، ويوضع عليها الرَّياحين، فيمشي عليها (إِلَى إِيلِيَاءَ) بكسر الهمزة واللَّام، بينهما تحتيَّةٌ ممدودةٌ، وهي بيت المقدس (شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللهُ) بهمزةٍ مفتوحةٍ وموحَّدةٍ ساكنةٍ، أي: أنعم(5) عليه بدفع فارس عنه بعد أن ملكوا الشَّام وما والاها من الجزيرة وأقاصي بلاد الرُّوم، واضطروا هرقل حتَّى ألجؤوه إلى القسطنطينيَّة، وحاصروه فيها مدَّةً طويلةً (فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ) وهو بإيلياءَ (كِتَابُ رَسُولِ اللهِ صلعم ) الَّذي بعثه مع دِحية، فأعطاه دِحية لعظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر، فلما وصل إليه (قَالَ حِينَ قَرَأَهُ: التَمِسُوا لِي هَهُنَا(6) أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ لأَسْأَلَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أي: عن نسبه وصفته ونعته وما يدعو إليه.
          (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) بالسَّند السَّابق: (فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بنُ حَربٍ) وسقط لغير أبي ذرٍّ «بن حربٍ» (أَنَّهُ كَانَ بِالشَّأْمِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ) صفةٌ لـ «رجالٍ» وكانوا ثلاثين رجلًا كما عند الحاكم حال كونهم (قَدِمُوا تِجَارًا) بكسر الفوقيَّة وتخفيف الجيم (فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صلعم وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ)(7) وهي مدَّة صلح الحديبية (قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنَا) بفتح الدَّال، فعلٌ ومفعولٌ (رَسُولُ قَيْصَرَ) برفع «رسولُ» فاعله (بِبَعْضِ الشَّأْمِ) قيل(8): غزَّة(9)، المدينة المشهورة (فَانْطَلَقَ بِي وَبِأَصْحَابِي) رسول قيصر (حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَأُدْخِلْنَا عَلَيْهِ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول (فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذَا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ) وعند ابن السَّكن: وعنده بطارقته والقسِّيسون والرُّهبان (فَقَالَ لِتُـَرْجُمَانِهِ) بفتح التَّاء _وقد تُضَمُّ_ وضمِّ الجيم، وهو المفسِّر لغةً بلغةٍ: (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ إليه نَسَبًا. قَالَ) قيصر: (مَا قَرَابَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ فَقُلْتُ: هُوَ ابْنُ عَمِّي) لأنَّه من بني / عبد منافٍ، وهو الأب الرَّابع له صلعم ولأبي سفيان، ولأبي ذَرٍّ: ”ابن عمٍّ“ بإسقاط الياء وتنوين الميم (وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي. فَقَالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ) بهمزةٍ مفتوحةٍ، أي‼: قرِّبوه. زاد في أوَّل الكتاب: «منِّي» [خ¦7] وإنَّما أراد بذلك الإمعان في السُّؤال (وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي) القرشيِّين (فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي) لئلَّا يستحوا(10) أن يواجهوه بالكذب إن كذب(11)، و«كتفِي» بكسر الفاء(12) وتخفيف الياء في الفرع كأصله(13) (ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لأَصْحَابِهِ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ) أبا سفيان (عَنِ) الرَّجل (الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ) في حديثه عنه (فَكَذِّبُوهُ) بتشديد الذَّال المكسورة (قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ لَوْلَا الحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ) بضمِّ المثلَّثة بعد الهمزة السَّاكنة، أي: يَروي ويحكي (أَصْحَابِي عَنِّي الكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ) ╕ لبغضي إيَّاه إذ ذاك (وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ) بتخفيف الدَّال المهملة (ثُمَّ قَالَ) هرقل (لِتُرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ: كَيْفَ نَسَبُ هَذَا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟) أي: ما حال نسبه، أهو من أشرافكم أم لا؟ (قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ) عظيمٍ (قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا القَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ) من قريش (قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. فَقَالَ: كُنْتُمْ) أي: هل كنتم (تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الكَذِبِ) وفي رواية شعيبٍ عن الزُّهريِّ أوَّل هذا الكتاب: فهل كنتم تتَّهمونه بالكذب [خ¦7] (قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ(14) مَلِكٍ؟) بكسر ميم «مِنْ» حرف جرٍّ وكسر لام «ملِك» صفةٌ مشبَّهةٌ، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”مَن مَلَك“ بفتح ميم «مَن» اسمٌ موصولٌ وفتح لام «ملَكَ» فعلٌ ماضٍ (قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ) أي: أهل النَّخوة والتَّكبر منهم (يَتَّبِعُونَهُ) بتشديد الفوقيَّة وإسقاط(15) همزة الاستفهام، وهو قليلٌ (أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ) أي: اتَّبعوه (قَالَ: فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟) وفي رواية شعيبٍ [خ¦7]: «أَمْ» بالميم بدل الواو (قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ) أي: منهم، كما في رواية شعيب (سَخْطَةً لِدِينِهِ) بالنَّصب على الحال، أي: ساخطًا (بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟) أي: ينقض العهد (قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ الآنَ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ) أي: مدَّة صلح الحديبية (نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ تُمْكِنِّي) بالفوقيَّة، والَّذي في «اليونينيَّة»: بالتَّحتيَّة(16) (كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ) وسقط في رواية شعيبٍ لفظ «أنتقصه به» (لَا أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ) أي: تُروَى (عَنِّي غَيْرُهَا، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أوْ قَاتَلَكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ؟ قُلْتُ: كَانَتْ دُِوَلًا) بضمِّ الدَّال وكسرها وفتح الواو (وَسِجَالًا) بكسر السِّين وبالجيم، أي: نُوَبًا، نوبةٌ لنا، ونوبةٌ له كما قال: (يُدَالُ عَلَيْنَا‼ المَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى) بضمِّ أوَّل «يُدال» و«نُدال» بالبناء للمفعول، أي: يغلبنا مرَّةً ونغلبه أخرى (قَالَ: فَمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟) زاد أبو ذرٍّ: ”به“ في رواية(17) (قَالَ) أبو سفيان: فقلت: (يَأْمُرُنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ) ولأبي الوقت: ”ولا نشرك“ (بِهِ شَيْئًا) بزيادة الواو قبل «لا» (وَيَنْهَانَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) من عبادة الأصنام (وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ) المعهودة (وَالصَّدَقَةِ) المفروضة، وفي رواية شُعيبٍ [خ¦7] «والصِّدق» بدل: «الصَّدقة» (وَالعَفَافِ) بفتح العين: الكفُّ عن المحارم وخوارم المروءة (وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ. فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ: قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فِيكُمْ، فَزَعَمْتَ: أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ) أي: عظيمٍ (وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي) أشرف (نَسَبِ قَوْمِهَا. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ: أَنْ لَا، فَقُلْتُ) في نفسي: (لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ هَذَا القَوْلَ قَبْلَهُ؛ قُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَمُّ) أي: يقتدي (بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ: أَنْ لَا. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الكَذِبَ عَلَى النَّاسِ) قبل أن يُظهر(18) رسالته (وَيَكْذِبَ عَلَى اللهِ) بعد إظهارها (وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ فَزَعَمْتَ: أَنْ لَا. فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ: يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ) بالجمع، وفي رواية شعيبٍ: أبيه [خ¦7] بالإفراد (وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ / يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ: أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ) غالبًا (وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ) وفي رواية شعيب: أم (يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ: أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ) فإنَّه لا يزال في زيادةٍ (حَتَّى يَتِمَّ) أمره بالصَّلاة والزَّكاة والصِّيام ونحوها؛ ولذا نزل في آخر سنيِّه ╕ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} الاية[المائدة:3] (وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ: أَنْ لَا. فَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ) بفتح المثنَّاة وسكون الخاء المعجمة، وبعد اللَّام المكسورة طاءٌ مهملةٌ (بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ) بفتح الموحَّدة والإضافة إلى ضمير «الإيمان»، و«القلوبَ» نصبٌ على المفعوليَّة، أي: تخالط بشاشةُ الإيمان القلوبَ الَّتي تدخل فيها (لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ) وفي رواية ابن(19) إسحاق: وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبًا فتخرج منه (وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ: أَنْ لَا. وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا يَغْدِرُونَ. وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ: أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ يكُونُ دُوَلًا وَيُدَالُ) بالواو، وسقطت لأبي ذَرٍّ (عَلَيْكُمُ المَرَّةَ، وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى) أي: تختبر بالغلبة عليهم(20)؛ ليُعلَم صبرهم (وَتَكُونُ(21) لَهَا) ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي‼ والمُستملي: ”له“ أي: للمبتلى منهم (العَاقِبَةُ. وَسَأَلْتُكَ: بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟) بإثبات الألف مع «ما» الاستفهاميَّة، وهو قليلٌ، وسبق في أوَّل الكتاب مزيدُ فوائد، فلتُنْظَر (فَزَعَمْتَ: أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَ) أنَّه (يَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ) أي: عن(22) عبادة الأوثان (وَ) أنَّه (يَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ) وللحَمُّويي والكُشْمِيهَنِيِّ: ”والصِّدق“ بدل: ”الصَّدَقَة“ (وَالعَفَافِ وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، قَالَ) هرقل: (وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ) ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ والمُستملي: ”نبيٍّ“ (قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ) قال ذلك لِمَا رأى من(23) علامات(24) نبوَّته الثَّابتة في الكتب السَّابقة (وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ) ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ: ”لم أعلم“ (أَنَّهُ مِنْكُمْ) أي: من قريشٍ (وَإِنْ يَكُ مَا قُلْتَ حَقًّا؛ فَيُوشِكُ) بكسر الشِّين المعجمة، أي: فيسرع (أَنْ يَمْلِكَ) ╕ (مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ) أرض بيت المقدس، أو أرض ملكه (وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ) بضمِّ اللَّام، أَصِلَ (إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ) بالجيم والشِّين المعجمة، لتكلَّفت (لُقِيَّهُ) ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ: ”لقاءه“ وفي «مرسل ابن إسحاق» عن بعض أهل العلم: أنَّ هرقل قال: ويحك، والله إنِّي لأعلم أنَّه نبيٌّ مرسلٌ، ولكنْ أخاف الرُّوم على نفسي، ولولا ذاك(25) لاتَّبعته (وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ قَدَمَيْهِ) وفي رواية عبد الله بن شدَّادٍ عن أبي سفيان: لو علمت أنَّه هو لمشيت إليه حتَّى أقبِّل رأسه، وأغسل قدميه (قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعَا) هرقل (بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أي: من وَكَّلَ ذلك إليه، أو من يأتي به، وزاد في رواية شعيبٍ عن الزُّهريِّ: الَّذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل [خ¦7] (فَقُرِئَ فَإِذَا فِيهِ: ╖ ، مِن مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ) قدَّم لفظ العبوديَّة على الرِّسالة؛ ليدلَّ على أنَّ العبوديَّة أقرب طرقِ العباد إليه، وتعريضًا لبطلان قول النَّصارى في المسيح أنَّه ابن الله؛ لأنَّ الرُّسل مستوون في أنَّهم عباد الله (إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ) أهل(26) (الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الإِسْلَامِ) مصدرٌ بمعنى الدَّعوة كالعافية. وفي رواية شعيبٍ: بدعاية الإسلام [خ¦7] أي: بدعوته، وهي كلمة الشَّهادة الَّتي يُدعَى إليها أهل الملل الكافرة (أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ) بكسر اللَّام في الأولى والأخيرة وفتحِها في الثَّانية، وهذا في غاية الإيجاز والبلاغة وجمع المعاني مع ما فيه من بديع التَّجنيس، فإنَّ «تسلمْ» شاملٌ‼ لسلامته من خزي الدُّنيا بالحرب، والسَّبي، والقتل، وأخذ الدِّيار(27) والأموال، ومن عذاب الآخرة (يُؤْتِكَ اللهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ) أي: من جهة إيمانه بنبيِّه ثم بنبيِّنا محمَّدٍ صلعم ، أو من جهة أنَّ إسلامه سببٌ لإسلام أتباعه (فَإِنْ تَوَلَّيْتَ) أعرضت عن الإسلام (فَعَلَيْكَ) مع إثمك (إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ) بالهمزة وتشديد / الياء بعد السِّين، جمع يريسي(28)، أي: الأكَّارين، وهم الفلَّاحون والزَّرَّاعون، وللبيهقيِّ في «دلائله»: «عليك إثم الأكَّارين» أي: عليك إثم رعاياك الَّذين يتَّبعونك، وينقادون بانقيادك، ونبَّه بهؤلاء على جميع الرَّعايا؛ لأنَّهم الأغلب وأسرع انقيادًا، فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا (وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ}) بواو العطف على «أدعوك» أي: أدعوك(29) بداعية الإسلام، وأدعوك بقول الله تعالى: يا أهل الكتاب ({تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ}) نوحِّده بالعبادة، ونخلص له فيها ({وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا}) ولا نجعل غيره شريكًا له في استحقاق العبادة ({وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ}) فلا نقول: عزير ابن الله، ولا نطيع الأحبار فيما أحدثوه من التَّحريم والتَّحليل ({فَإِن تَوَلَّوْاْ}) عن التَّوحيد ({فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:64]) أي: لزمتكم الحجَّة، فاعترفوا بأنَّا مسلمون دونكم، أو اعترفوا بأنَّكم كافرون بما نطقتْ به الكتب، وتطابقت عليه الرُّسل (قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا أَنْ قَضَى) هرقل (مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ) أي: صياحهم وشغبهم (فَلَا أَدْرِي مَاذَا قَالُوا، وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا) بضمِّ الهمزة وكسر تاليها في الموضعين(30) بالبناء للمجهول (فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ قُلْتُ لَهُمْ(31): لَقَدْ أَمِرَ) بفتح الهمزة وكسر الميم، أي: كبر وعظم (أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ) بفتح الكاف وسكون الموحَّدة، كنية رجلٍ من خزاعة، خالف قريشًا في عبادة الأوثان، فعبد الشِّعرى، فنسبوه إليه؛ للاشتراك في مطلق المخالفة، وقيل غير ذلك ممَّا سبق أوَّل الكتاب في «بدء الوحي» [خ¦7] أي: لقد عظم شأنه (هَذَا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ) وهم الرُّوم (يَخَافُهُ. قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللهِ مَا زِلْتُ ذَلِيلًا) بالذَّال المعجمة (مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ) ╕ (سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللهُ قَلْبِي الإِسْلَامَ(32) وَأَنَا كَارِهٌ) أي: للإسلام، وكان ذلك يوم فتح مكَّة، وقد حسن إسلامه، وطاب به قلبه بعد ذلك ☺ .
          وهذا الحديث سبق في «بدء الوحي» [خ¦7] مع زيادات مباحث، والله الموفِّق.


[1] في (د): «الزُّبيدي» وهو تحريفٌ.
[2] «قال»: ليس في (د).
[3] في (ب): «عبد» وهو تحريفٌ.
[4] زيد في (ب) و(م): «أبي» وليس بصحيحٍ.
[5] زيد في (ب) و(س) و(ص): اسم الجلالة.
[6] في (م): «هنا».
[7] قوله: «صفة لرجال... قريش» سقط من (ص).
[8] في (د): «قبل».
[9] في (د1) و(ص): «غزوة» وهو تحريفٌ.
[10] في (ب) و(س): «يستحيوا».
[11] «إن كذب»: ليس في (ص).
[12] في (ص): «الكاف» وهو خطأٌ.
[13] «كأصله»: مثبتٌ من (م).
[14] «مِنْ»: ليس في (ص).
[15] في (د): «وأسقط».
[16] قوله: «بالفوقيَّة، والَّذي في اليونينيَّة: بالتَّحتيَّة» سقط من (د1) و(ص).
[17] «في روايةٍ»: مثبتٌ من (م).
[18] في (د): «تظهر».
[19] في (د): «أبي» وليس بصحيحٍ.
[20] في غير (ب) و(س): «عليها».
[21] في (د): «ويكون» وهو خطأٌ.
[22] في (د): «مِنْ».
[23] «من»: ليس في (م).
[24] في (د1) و(م): «علامة».
[25] في (د1) و(ص) و(م): «ذلك».
[26] «أهل»: ليس في (م).
[27] في (ب) و(س): «الذَّراري».
[28] في (ب): «أريسي».
[29] «أي: أدعوك»: ليس في (ب).
[30] كذا ويقصد في الثاني بكسر الراء لا الخاء.
[31] «لهم»: ليس في (د) و(م).
[32] في (م): «الإيمان».