الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما قيل في أولاد المشركين

          ░92▒ (باب: ما قيل في أولاد المشركين)
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: ظاهر صنيع المؤلِّف مِنْ إيراد حديث الفطرة عَقيب الرِّواية الَّتِي ظاهرها التَّوقُّف، وإن كان المراد نفيَ الاستحقاقِ المترتِّب على العمل لا مطلقِهِ، ثمَّ إيراد رواية إبراهيم ╕ مشعرٌ بأنَّه اختار ما اخترناه مِنْ أنَّ هؤلاء يدخلون الجنَّة أيضًا، والله أعلم. انتهى.
          وفي «هامشه» عن «شرح المسايرة» لابن أبي شريف: وقد ضعَّف أبو البركات النَّسَفيُّ رواية التَّوقُّف عن أبي حنيفة، وقال: الرِّواية الصَّحيحة عنه أنَّهم في المشيئة لظاهر الحديث الصَّحيح: ((وَاللَّهُ(1) أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ)). انتهى.
          قال الحافظ: هذه التَّرجمة تُشعر أيضًا بأنَّه كان متوقِّفًا في ذلك، وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الرُّوم بما يدلُّ على اختيار القول الصَّائر إلى أنَّهم في الجنَّة، وقد رتَّب أيضًا أحاديث هذا الباب ترتيبًا يشير إلى المذهب المختار، فإنَّه صدَّرَه بالحديث الدَّالِّ على التَّوقُّف، ثمَّ ثنَّى بالحديث المرجِّح لكونهم في الجنَّة، ثمَّ ثلَّث بالحديث المصرِّح بذلك، فإنَّ قوله في سياقه: ((وأمَّا الصِّبيان حَوْله فأولاد النَّاس)) قد أخرجه في التعبير بلفظ: (وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذين حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُوْلَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: وَأَوْلاَدُ الْمُشْرِكِينَ).
          واختَلف العلماء قديمًا وحديثًا في هذه المسألة على أقوال، ثمَّ ذكر الحافظ عشرة أقوال:
          منها أنَّهم في مشيئة الله تعالى، وهو منقول عن / ابن المبارك وإسحاق، ونقله البَيْهَقيُّ عن الشَّافعيِّ، قالَ ابنُ عبد البرِّ: وهو مقتضى صنيع مالك، والحجَّة فيه قوله صلعم: (اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ).
          ومنها أنَّهم في الجنَّة، قالَ النَّوويُّ: وهو المذهب الصَّحيح المختار الَّذِي صار إليه المحقِّقون لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15] وإذا كان لا يعذِّب العاقل لكونه لم تبلغه الدَّعوة، فَلَأن لا يعذَّب غيرُ العاقل مِنْ باب الأَولى.
          ومنها الوقف، ومنها الإمساك، وفي الفرق بينهما دقَّة(2). انتهى.
          وذكر في «هامش اللَّامع» هاهنا اثني عشر قولًا، وذكر فيه أيضًا الفرق بين التَّوقُّف والإمساك بأنَّه لا يبعد أن يقال: إنَّ التَّوقُّف عدم الجزم بشيء لتعارُض الأدلَّة، والثَّاني عدم الكلام في المسألة، ويُستأنس ذلك مِنْ كلام ابن كثير في «تفسيره»: كره جماعة مِنَ العلماء الكلام فيها(3). انتهى.
          وفي «الفيض»: نُقل عن أبي حنيفة التَّوقُّف، وصرَّح(4) النَّسَفيُّ في «الكافي» أنَّ المراد بالتَّوقُّف في الحكم الكلِّيِّ، فبعضهم ناجٍ وبعضهم هالكٌ، لا بمعنى عدم العِلم أو عدم الحكم بشيء، وهو مذهب مالك صرَّح به أبو عمرو في «التمهيد»، وإليه ذهب الشَّافعيُّ كما صرَّح به الحافظ، وعن أحمد روايتان، واختار الحافظ ابن القيِّم النَّجاة كما في «شفاء العليل» وهو الَّذِي نسبه إلى ابن تَيْمِية... إلى آخر ما بسطه.
          وسرد الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15] الأحاديث الواردة في أولاد المشركين، فارجع إليه لو شئت.


[1] في (المطبوع): ((الله)).
[2] فتح الباري:3/246 مختصرا، وقد أوصل الحافظ الأقوال في المسألة إلى عشرة أقوال.
[3] تفسير ابن كثير عند تفسير الآية [الإسراء: 15] {مَنِ اهْتَدَى فَإنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ}
[4] في (المطبوع): ((صرح)).