الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الميت يسمع خفق النعال

          ░67▒ (باب: الميِّت يَسْمَع خَفْقَ النِّعَال)
          قال الحافظ: قال ابن المنيِّر: جرَّد المصنِّف ما ضمَّنه هذه التَّرجمة ليجعله أوَّل آداب الدَّفن مِنْ إلزام الوقار واجتناب اللَّغَط، وقرع الأرض بشدَّة الوطء عليها كما يلزم ذلك مع الحيِّ النائم، وترجم بالخفق ولفظ المتن بالقرع إشارة إلى ما ورد في بعض طرقه عند أحمد وأبي داود في حديث طويل فيه: ((وإنَّه لَيَسْمَع خَفْقَ نِعَالِهم))(1). انتهى.
          قلت: وسيأتي في اللِّباس في (باب: النِّعال السِّبْتيَّة) استدلال الطَّحاويِّ بهذا الحديث على جواز لُبْسِ النِّعال في المقابر.
          وقال الحافظ: قال أحمد: يُكره لُبْسُ النِّعال السِّبتيَّة في المقابر لحديث بشير بن الخَصَاصِية كما سيأتي في كتاب اللِّباس فارجع إليه.
          ثمَّ مسألة سماع الموتى خلافيَّة شهيرة بين الصَّحابة ومَنْ بعدَهم، فأثبته ابن عمر وغيره مِنَ الصَّحابة ومَنْ تَبِعَهم، ونفتْه عائشة وغيرها ومَنْ تَبِعَهم.
          قال ابن عابدين: وما ورد في «الصَّحيح» مِنْ قوله صلعم لأهل قليب بدر: (هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فقال عمر: أتكلِّم الميِّت يا رسول الله؟ فقال ╕: مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ مِنْهُمْ) فأجاب عنه المشايخ أنَّه غير ثابت، يعني: مِنْ جهة المعنى، وذلك لأنَّ عائشة ردَّته بقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]، وأنَّه إنَّما قاله على وجه الموعظة للأحياء، وبأنَّه مخصوص بأولئك تضعيفًا للحسرة [عليهم]، وبأنَّه خصوصيَّة له صلعم معجزة، لكن يشكل عليه ما في مسلم: ((أنَّ الميِّت يسمع قرع نعالهم)) إلَّا أن يخصُّوا ذلك بأوَّل الوضع في القبر، ومقَدِّمةً للسُّؤال جمعًا بينه وبين الآيتين(2). انتهى.
          ومال شيخ مشايخنا الشَّاه عبد العزيز في «فتاواه» إلى ثبوت سماع الميِّت وشعوره وإدراكه، وبسط الكلام على ذلك في عدَّة أسئلة وأجوبة. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          وفي «الفيض»: اعلم أنَّ مسألة كلام الميِّت وسماعه واحدة وأنكرها حنفيَّة العصر، وفي رسالة غير مطبوعة لعليٍّ القاري أنَّ أحدًا مِنْ أئمَّتنا لم يذهب إلى إنكارها، وإنَّما استنبطوها مِنْ مسألة في (باب: الأيمان) وهي حلف رَجل ألَّا يكلم فلانًا فكلَّمه بعدما دُفن لا يَحنث، قال القاري: ولا دليل فيها على ما قالوا فإنَّ مبنى الأيمان على العرف، وهم لا يسمُّونه كلامًا، وأنكره الشَّيخ ابن الهمام ☼ أيضا في «الفتح» ثمَّ أورد على نفسه أنَّ السَّماع إذا لم يثبت فما معنى السَّلام على القبر؟ وأجاب عنه أنَّهم يسمعون في هذا الوقت فقط، ولا دليل فيه على العموم، ثمَّ عاد قائلًا: إنَّه ثبت منهم سماع قرع النِّعال أيضًا فأجاب عنه بمثله، أقول: والأحاديث في سمع الأموات قد بلغت مبلغ التَّواتر... إلى آخر ما بسط فيه.


[1] فتح الباري:3/206
[2] حاشية ابن عابدين:3/836 مختصرا