الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما قيل في أولاد المسلمين

          ░91▒ (باب: ما قيل: في أولاد المسلمين)
          قال الحافظ: أي: غير البالغين، قال ابن المنيِّر: تقدَّم في أوائل «الجنائز» ترجمة: (مَنْ مات له ولد فاحتسب) وفيها الحديث المصدَّر به، وإنَّما ترجم بهذه لمعرفة مآل الأولاد، ووجهُ انتزاع ذلك أنَّ مَنْ يكون سببًا في حجب النَّار عن أبويه أَولى بأن يُحجب هو لأنَّه أصل الرَّحمة وسببها.
          وقالَ النَّوويُّ: أجمع مَنْ يُعتَدُّ به مِنْ علماء المسلمين على أنَّ مَنْ مات مِنْ أطفال المسلمين فهو مِنْ أهل الجنَّة، وتوقَّف فيه بعضهم لحديث عائشة، يعني الَّذِي أخرجه مسلم بلفظ: ((توفِّي صبيٌّ مِنَ الأنصار، فقلت: طوبى له لم يعمل سوءًا، ولم يدركه، فقالَ النَّبيُّ صلعم: أَوَغَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ! إِنَّ الله خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا))... الحديث، والجواب عنه أنَّه لعلَّه نهاها عن المسارعة إلى القطع مِنْ غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يَعلم أنَّ أطفال المسلمين في الجنَّة. انتهى.
          وقالَ المازَريُّ: الخلاف في غير أولاد الأنبياء.
          قال الحافظ: ولعلَّ البخاريَّ أشار إلى ما ورد في بعض طرق حديث أبي هريرة فإنَّ فيه التَّصريح بإدخال الأولاد الجنَّة مع آبائهم، وروى عبد الله بن أحمد في «زيادات المسند» عن عليٍّ مرفوعًا: ((إنَّ المسلمين وأولادهم في الجنَّة وإنَّ المشركين وأولادهم في النَّار، ثمَّ قرأ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ} الآية [الطور:21] ))، وهذا أصحُّ ما ورد في تفسير هذه الآية، وبه جزم ابن عبَّاس(1). انتهى.
          وفي «الفيض»: وانعقد الإجماع على نجاة أولاد المسلمين، قال مولانا النَّانوتويُّ ☼: إنَّ مقتضى الأدلَّة التَّوقُّف فيهم أيضًا. انتهى.
          قلت: لعلَّ المصنِّف أشار في التَّرجمة بقوله: (ما قيل) إلى اختلاف الرِّوايات في ذلك، وهكذا صنع في التَّرجمة الآتية، فبعض الرِّوايات تدلُّ جزمًا على كونهم مِنْ أهل الجنَّة، ففي «المشكاة» برواية أبي داود عن عائشة ╦ قالت: ((قلت: يا رسول الله ذراريُّ المؤمنين؟ قال: مِنْ آبائهم؟ فقلت: يا رسول الله بلا عمل؟ قال: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ))(2)، وبعض الرِّوايات يشير إلى التَّردُّد وعدم الجزم كما تقدَّم في كلام الحافظ مِنْ رواية مسلم.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: قوله: (إنَّ له مُرْضِعًا في الجنَّة) وهذا مِنْ خصائصه صلعم. انتهى.
          وقالَ السِّنْديُّ: كأنَّه مِنْ باب التَّشريف، لا لأنَّ الجنَّة يحتاج الصَّغير فيها إلى تربية ورضاعة، والله أعلم. انتهى.


[1] فتح الباري:3/244
[2] سنن أبي داود، باب في ذراري المشركين، رقم 4712