الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الصفوف على الجنازة

          ░54▒ (باب: الصُّفوف عَلى الجَنَازَة)
          قال الحافظ: قال ابن المنيِّر ما ملخَّصه أنَّه أعاد التَّرجمة لأنَّ الأولى لم يجزم فيها بالزِّيادة على الصَّفَّين.
          وقال ابن بطَّالٍ: أومأ المصنِّف إلى الرَّدِّ على عطاء حيث ذهب إلى أنَّه لا يشرع فيها تسوية الصُّفوف، كما رواه عبد الرَّزَّاق عن عطاء لمَّا سُئل عن تسوية الصُّفوف على الجنائز قال: لا إنما يكبِّرُون ويستغفرون.
          قال الحافظ: وأشار المصنِّف بصيغة الجمع إلى ما رواه أبو داود وغيره مِنْ حديث مالك بن هُبَيرة مرفوعًا: ((مَنْ صلَّى عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ صُفُوفٍ فَقَدْ أَوْجَبَ)) وفي رواية: ((إِلاَّ غُفِرَ لَهُ))، وتعقَّب بعضهم التَّرجمة بأنَّ أحاديث الباب ليس فيها صلاة على الجنازة، وإنَّما فيه الصَّلاة على الغائب أو على مَنْ في القبر، وأُجيبَ بأنَّ الاصطفاف إذا شُرع والجنازة غائبة ففي الحاضرة أَولى، وأجاب الكرمانيُّ بأن المراد بالجنازة في التَّرجمة الميِّت سواء كان مدفونًا أو غير مدفون فلا منافاة بين التَّرجمة والحديث(1). انتهى.
          وأنت خبير بأنَّ شيئًا مِنْ هذه الوجوه لا يناسب شأن البخاريِّ ودقَّة نظره، فإنَّه لو أراد بالتَّرجمة تأييد تسوية الصُّفوف كان ينبغي له أن يشير إلى ذلك في التَّرجمة بنوع مِنَ الدِّلالة على أنَّ لفظ: (الصُّفوف) بصيغة الجمع لا يلزم الزِّيادة على الاثنين، فإنَّ الاثنين فما فوقهما جماعة، وكذلك لا يشير إلى الرَّدِّ على عطاء، فإنَّ لفظ: (الصُّفوف) لا يستلزم التَّسوية، بل الأوجه كما هو الظَّاهر أنَّ الإمام البخاريَّ أشار بلفظ: (على الجنازة) [إلى] (2) الرَّدِّ على مَنْ قال بالصَّلاة على الغائب، فإنَّ الإمام البخاريَّ مع تخريجه حديث الصَّلاة على النَّجاشيِّ بطرق لم يبوِّب بالصَّلاة على الغائب، بل أشار بلفظ التَّرجمة إلى كون الجنازة حاضرة، وهذا هو التَّوجيه الَّذِي وجهت الحنفيَّة به حديث الصَّلاة على النَّجاشيِّ.
          والمسألة خلافيَّة شهيرة بُسطت في «الأوجز»، وفيه عن الزُّرقانيِّ: الصَّلاة على الميِّت الغائب قال به الشَّافعيُّ وأحمد وأكثر السَّلف، وقال الحنفيَّة والمالكيَّة: لا تُشرع، ونسبه ابن عبد البرِّ إلى أكثر العلماء، فالإمام البخاريُّ مال في هذه المسألة إلى قوله(3) الحنفيَّة والمالكيَّة كما سبق. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».


[1] فتح الباري:3/186 مختصرا
[2] قوله: (([إلى])) ليس في (المطبوع)
[3] في (المطبوع): ((قول)).