الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد

          ░60▒ (باب: الصَّلاة عَلى الجَنَائَز بالمصلَّى والمَسْجِد)
          قال الحافظ: قالَ ابنُ رُشَيدٍ: لم يتعرَّض المصنِّف لكون الميِّت بالمصلَّى أو لا لأنَّ المصلَّى عليه كان غائبًا، وألحق حكم المصلَّى بالمسجد بدليل ما تقدَّم في العيدين وفي الحيض بلفظ: (ويعتزل الحُيَّض المصلَّى) فدلَّ على أنَّ للمُصلَّى حكم المسجد فيما ينبغي أن يُجتنَب فيه.
          ثمَّ قال الحافظ تحت حديث ابن عمر المذكور في الباب: حكى ابن بطَّالٍ عن ابن حبيب أنَّ مصلَّى الجنائز بالمدينة كان لاصقًا بمسجد النَّبيِّ صلعم مِنْ ناحية جهة المشرق. انتهى.
          فإنْ ثبت ما قال وإلَّا فيحتمل أن يكون المراد بالمسجد هنا المصلَّى المتَّخَذ للعيدين والاستسقاء لأنَّه لم يكن عند المسجد النَّبويِّ مكان يتهيَّأ / فيه الرَّجم، وسيأتي في قصَّة ماعز: (فرجمناه بالمصلَّى) ودلَّ حديث ابن عمر المذكور على أنَّه كان للجنائز مكان معدٌّ للصَّلاة عليها، فقد يُستفاد منه أنَّ ما وقع مِنَ الصَّلاة على بعض الجنائز في المسجد كان لأمر عارض أو لبيان الجواز، والله أعلم. انتهى.
          وقالَ العَينيُّ: مطابقة هذا الحديث للتَّرجمة لا يتأتَّى إلَّا إذا قلنا: إنَّ (عند) في قوله: (عند المسجد) بمعنى: في، أو نقول: إنَّ ترجمة الباب يحتمل وجهين: أحدهما: الإثبات.
          والآخر: النَّفي.
          ولعلَّ غرض البخاريِّ النَّفي بألَّا يُصلَّى عليها في المسجد بدليل تعيين رسول الله صلعم موضع الجنازة عند المسجد، ولو جاز فيه لما عيَّنَه في خارجه، وبهذا يُدفَع كلام ابن بطَّالٍ، ليس في حديث ابن عمر دليل على الصَّلاة في المسجد، إنَّما الدَّليل في حديث عائشة: ((صلَّى رسول الله صلعم على سهيل بن بيضاء في المسجد)) قلت: لو كان إسناده على شرطه لأخرجه في «صحيحه»(1). انتهى.
          وفي «حاشية السِّنْديِّ» ما حاصله موافقة الحديثين بالتَّرجمة مِنْ حيثُ إنَّ المطلوب في التَّرجمة بيان حكم الصَّلاة في المصلَّى والمسجد، وقد عُلِم بالحديثين أنَّ الحكم هو الأولويَّة خارج المسجد، ففي المسجد إذا ثبت فهو خلاف الأَولى. انتهى.
          قلت: ومسألة صلاة الجنازة بالمسجد خلافيَّة، لا يجوز(2) عند الحنفيَّة والمالكيَّة، ويجوز(3) عند الشَّافعيَّة والحنابلة.
          قال القَسْطَلَّانيُّ: لو كان الميِّت خارج المسجد والمصلُّون فيه جاز بالأجماع. انتهى.


[1] عمدة القاري:8/132
[2] في (المطبوع): ((تجوز)).
[3] في (المطبوع): ((وتجوز)).