الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب فضل اتباع الجنائز

          ░57▒ (باب: فَضْل اتِّبَاع الجَنَائِز...) إلى آخره
          قد تقدَّم في مبدأ الجنائز: (باب: الأمر باتِّباع الجنائز) ولا تكرار، لاختلاف الأغراض كما تقدَّم هناك، أمَّا عند الشُّرَّاح فلِما تقدَّم عن الحافظ أنَّ الغرض مِنَ الباب الأوَّل إثبات المشروعيَّة، وهاهنا إثبات الفضل، وأمَّا عندي فهو أنَّ الغرض مِنَ الأوَّل الاهتمام والإسراع في تجهيز الميِّت والسَّعي لأجله، وأمَّا هاهنا فالمراد بالاتِّباع هو المعنى المتبادر، أي: الاتِّباع إلى القبر، وهل الإمام البخاريُّ أشار بذلك إلى مسلك الحنفيَّة مِنْ أنَّ المشي خلفها أفضلُ؟ محتمل، لكن يشكل عليه ما تقدَّم في (باب: السُّرعة بالجنازة) مِنْ أثر أنس كما تقدَّمَ الكلامُ عليه هناك، ويحتمل أن يكون المراد مِنْ ذِكر أثر أنس الإسراعَ فقط، ويحتمل / أيضًا أن يكون المراد مِنَ الاتِّباع هاهنا المشيَ إلى القبر بدون الملاحظة إلى كيفيَّة المشي مِنَ التَّقدُّم أو الخلفيَّة.
          قال الحافظ: قالَ ابنُ رُشَيدٍ: مقصود الباب بيان القدر الَّذِي يحصل به مسمَّى الاتِّباع الَّذِي يحوز به القيراط، إذ في الحديث الَّذِي أورده إجمال، ولذلك صَدَّره بقول زيد بن ثابت، وآخر(1) الحديث المذكور على الَّذِي بعده وإن كان أوضح منه في مقصوده كعادته المألوفة في التَّرجمة على اللَّفظ المشكل ليبيِّنَ مجمله(2)... إلى آخر ما ذكره الحافظ مِنَ الكلام على التَّرجمة.
          ومسألة المشي خلف الجنازة أو أمامها كما أشير إليه آنفًا خلافيَّة شهيرة، ففي «الأوجز» عن «التَّعليق الممجَّد»: اختلفوا فيه بعد الاتِّفاق على جواز المشي أمامها وخلفها وشمالها وجنوبها اختلافًا في الأولويَّة على أربعة مذاهب:
          الأوَّل: التَّخيير مِنْ دون أفضليَّة مشي على مشي، وهو قول الثَّوريِّ، وإليه ميلُ البخاريِّ، ذكره الحافظ.
          الثَّاني: أنَّ المشي أمامها أفضل للماشي وخلفها للرَّاكب، وهو مذهب أحمد.
          الثَّالث: مذهب الشَّافعيِّ ومالك أنَّ المشي أمامها أفضل.
          الرَّابع: مذهب أبي حنيفة والأَوزاعيِّ أنَّ المشي خلفها أفضل. انتهى.
          قلت: التَّفريق بين الماشي والرَّاكب هو المذهب لمالك كما صرَّح به في «الشَّرح الكبير»، والمرجَّح عند الشَّافعيَّة التَّقدُّم مطلقًا ماشيًا كان أو راكبًا.
          وهاهنا مذهب خامس ذكره الحافظ عن النَّخَعيِّ: إن كان في الجنازة نساء مشى أمامها وإلَّا خلفها.
          والسَّادس: مذهب ابن حزم: الرَّاكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء.
          قوله: (وقال حميد بن هلال...) إلى آخره، يعني: ما تعارف مِنْ أنَّهم لا يرجعون إلَّا بعد الاستئذان عن(3) بعض أهل الميِّت لا أصل له، وإنَّما الثَّابت أنَّ مَنْ صلَّى... إلى آخره، كذا في «تراجم شيخ المشايخ».
          وبسط العلَّامة العينيُّ في تعيين القائلين به، كما في «هامش اللَّامع».
          قال الحافظ: والَّذي عليه معظم أئمَّة الفتوى قول حميد بن هلال، وحُكي عن مالك أنَّه لا ينصرف حتَّى يستأذن. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وآثر)).
[2] فتح الباري:3/192
[3] في (المطبوع): ((من)).