الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور

          ░61▒ (باب: مَا يُكْرَه مِن اتِّخَاذ المَسَاجِد عَلَى القُبُور)
          قال الحافظ: ترجم بعد ثمانية أبواب: (باب: بناء المسجد على القبر).
          قالَ ابنُ رُشَيدٍ: الاتِّخاذ زعم(1) مِنَ البناء فلذلك أفرده بالتَّرجمة، ولفظها يقتضي أنَّ بعض الاتِّخاذ لا يُكره، فكأنَّه يفصل بين ما إذا ترتَّبت على الاتِّخاذ مفسدة أم لا.
          وقال ابن المنيِّر: كأنَّه قصد بالتَّرجمة الأولى اتِّخاذ المساجد في المقبرة لأجل القبور بحيث لولا تجدُّد القبر ما اتُّخذ المسجد، وبالتَّرجمة الثَّانية بناء المسجد في المقبرة على حدته لئلَّا يحتاج إلى الصَّلاة فيوجد مكانٌ يصلِّي(2) فيه سوى المقبرة، فلذلك نحا به مَنحى الجواز.
          قال الحافظ: والمنع مِنْ ذلك إنَّما هو حال خشية أن يُصْنَع بالقبر كما صَنع أولئك الَّذين لُعِنوا، وأمَّا إذا أُمن ذلك فلا امتناع، وقد يقول بالمنع مطلقًا مَنْ يرى سدَّ الذَّريعة وهو هنا مُتَّجَه قويٌّ(3). انتهى.
          وتعقَّب العينيُّ على ما قالَ ابنُ رُشَيدٍ إذ قال: لا نسلِّم أنَّ لفظها يقتضي أنَّ بعض الاتِّخاذ لا يُكره، ودعوى العموم بين الاتِّخاذ والبناء غير صحيحة. انتهى.
          قوله: (القُبَّة) قال الحافظ: أي: الخيمة، ومناسبة هذا الأثر أنَّ المقيم في الفسطاط لا يخلو مِنَ الصَّلاة هناك فيلزم اتِّخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة، فتزداد الكراهة. انتهى.
          قال القَسْطَلَّانيُّ: وإذا أنكر الصَّائح بناءً زائلًا _وهو الخيمة_ فالبناء الثَّابت أجدرُ، لكن لا يؤخذ مِنْ كلام الصَّائح حكمٌ لأنَّ مسالك الأحكام الكتابُ والسُّنَّة والقياس والإجماع، ولا وحي بعده ╕، وإنَّما هذا وأمثاله تنبيهٌ على انتزاع الأدلَّة مِنْ مواضعها واستنباطها مِنْ مظانِّها. انتهى.
          قال الحافظ عن ابن المنيِّر: وكأنَّ الصَّائحين مِنَ الملائكة ومِنْ(4) مؤمني الجنِّ، وإنَّما ذكره البخاريُّ لموافقته للأدلَّة الشَّرعيَّة [لا] لأنَّه دليل برأسه(5). انتهى.
          


[1] في (المطبوع): ((أعم)).
[2] في (المطبوع): ((يصلَّى)).
[3] فتح الباري:3/200، 208 مختصرا
[4] في (المطبوع): ((أو من)).
[5] هامش مِنَ الأصلِ قوله: كذا في الأصل، والصَّواب لا لأنَّه دليل إلخ.
وفي فتح الباري:3/200 قوله: فجَاءَتْهُم المَوعِظة على لِسَانِ الهَاتِفِينَ بِتَقْبِيح ما صنعوا، وكأنَّهمَا من الملائكة أو مِنْ مُؤْمِنِي الجِنِّ، وإنَّما ذكره البخاري لِمُوافَقَته للأدِلَّة الشَّرعيَّة لا لأنَّه دَليل برأسه