الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر

          ░8▒ (باب: غُسْل الميِّت ووُضوئهِ... )
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: أراد بإيراد الرِّواية هاهنا إثبات أنَّ غُسل الميِّت ليس لتنجُّسه، فإيراد الآثار لهذا المعنى ظاهر. انتهى.
          وفي «هامشه»: قال الحافظ: نقل النَّوويُّ الإجماع على أنَّ غُسل الميِّت فرض كفاية، وهو ذهول شديد، فإنَّ الخلاف مشهور عند المالكيَّة حتَّى إنَّ القُرْطُبيَّ رجَّح في «شرح مسلم» أنَّه سُنَّة، ولكنَّ الجمهور على وجوبه. انتهى.
          وقالَ العَينيُّ: هذه التَّرجمة مشتملة على أمور، الأوَّل: في غُسل الميِّت هل هو فرض أو واجب أو سُنَّة؟ فقال أصحابنا: هو واجب على الأحياء للسُّنَّة وإجماع الأمَّة.
          وفي «شرح الوجيز»: الغُسل والتَّكفين والصَّلاة فرض كفاية بالإجماع، وكذا نقل النَّوويُّ الإجماع على أنَّ الغُسل فرض كفاية، وقد أنكر بعضهم على النَّوويِّ فقال: هو ذهول شديد... إلى آخره.
          قلت: هذا ذهول أشدُّ مِنْ هذا القائلِ حيث لم ينظر إلى معنى الكلام، فإنَّ معنى قوله _أي القرطبي_: سنَّة، أي: [سنَّة] مؤكَّدة وهي في قوَّة الوجوب. انتهى.
          وبسط الكلام على المسألة في «الأوجز»(1)، فارجع إليه لو شئت.
          ثمَّ ليس في الحديث ذكر الوضوء، قالَ العَينيُّ: قيل: المعهود مِنَ الغسل هو مع الوضوء. انتهى.
          وفي «الفتح»: المراد وضوء الغاسل وإن لم يكن له ذِكر، لكنَّ غَسل الميِّت لا يمكن بدون الغاسل، فكأنَّه ذُكر، وقيل: أشار إلى بعض طرق الحديث بلفظ: (ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها) فكأنَّه أراد أنَّ الأمر بالوضوء ليس بمجرَّده، بل مع الغُسل، أو أنَّ الوضوء المجرَّد لا يكفي، أو ليس الأمر بالوضوء، بل الأمر بالبدء بالوضوء. انتهى.
          قلت: والظَّاهر عندي إرجاع الضَّمير إلى الغاسل المفهوم مِنْ لفظ: (الغُسل) لأنَّه أجدر بدأب البخاريِّ، كأنَّه أشار إلى ردِّ ما ورد في الغُسل مِنْ غسل الميِّت ووضوء مَنْ حَمَلَهُ، وقد اختلف العلماء في الغُسل والوضوء كما ذكره الحافظان ابنُ حَجَرٍ والعَينيُّ في أثر ابن عمر الآتي، وبسط الكلام على المسألة في «الأوجز».
          وما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه مِنْ أَنَّ غُسل الميِّت ليس للتَّنجُّس، وأشار به إلى مسألة خلافيَّة شهيرة مِنْ أنَّ غُسل الميِّت تعبُّديٌّ أو للنَّظافة أو للطَّهارة؟
          وفي «الأوجز»: اختلفوا / في علَّة الغُسل، وتفرَّع على ذلك الخلاف بينهم في فروع مختلفة عديدة.
          ففي «الشَّرح الكبير» مِنْ فروع المالكيَّة: غسل تعبُّدًا، وقيل: للنظافة، قالَ الدُّسوقيُّ: كونه تعبُّديًّا(2) هو قول مالك وأشهب، وكونه للنَّظافة لم يقل به إلَّا ابن شعبان. انتهى مختصرًا.
          قال ابن عابدين: آدميٌّ حيوانٌ دمويٌّ فيتنجَّس بالموت كسائر الحيوانات، وهو قول عامَّة المشايخ(3). انتهى.
          لكنَّ مِنْ خصائصه أنَّه يتَطَهَّر بالغُسْل كرامة له.
          قوله: (وحَنَّط ابنُ عُمَرَ...) إلى آخره، قيل: ذكر هذه الآثار لبيان أنَّ الغسل المذكور تعبُّد لا لأنَّ المؤمن يتنجَّس، كذا في «الفتح».
          وقالَ العَينيُّ: يؤخذ مِنْ قوله: (حنَّط)(4)، وقالَ العَينيُّ: مطابقته للتَّرجمة تؤخذ مِنْ موضعين:
          الأوَّل: مِنْ قوله: (حنَّط) لأنَّ التَّحنيط يستلزم الغسل.
          والثَّاني: مِنْ قوله: (ولم يتوضَّأ)، فإنَّه يدلُّ على أنَّ الغاسل ليس عليه وضوء(5). انتهى.


[1] أوجز المسالك:4/389
[2] في (المطبوع): ((تعبدًا)).
[3] حاشية ابن عابدين:2/194 وفيه قوله: لأن الآدمي حيوان دموي...
[4] يبدو في العبارة تكرار والله أعلم
[5] عمدة القاري: ج8/36