إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم

          3039- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ) بفتح العين، الحرَّانيُّ، من أفراده، قال: (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ) هو ابن معاوية قال: (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) عمرو بن عبد الله السَّبيعيُّ (قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ☻ ) حال كونه (يُحَدِّثُ قَالَ: جَعَلَ‼ النَّبِيُّ صلعم عَلَى الرَّجَّالَةِ) بفتح الرَّاء والجيم المشدَّدة، جمع راجلٍ، على خلاف القياس وهم الَّذين لا خيل معهم (يَوْمَ أُحُدٍ) نصبٌ على الظَّرفيَّة (وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللهِ بْنَ جُبَيْرٍ) بضمِّ الجيم وفتح الموحَّدة، الأنصاريَّ، استشهد يوم أُحُدٍ، و«عبدَ الله» نصبٌ بـ «جعل» (فَقَالَ) ╕ لهم: (إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ) بفتح الفوقيَّة وسكون الخاء المعجمة وفتح المهملة مخفَّفة، ولأبي ذَرٍّ: ”تخَطَّفنا“ بفتح الخاء وتشديد الطَّاء، وأصله: تتخطَّفنا(1) بتاءين، حُذِفَت إحداهما، أي: إن رأيتمونا / قد زلنا من(2) مكاننا، وولَّينا منهزمين، أو إن قُتِلنا وأكلت الطَّير لحومنا (فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ) وعند ابن إسحاق: قال: انضحوا الخيل عنَّا بالنَّبل، لا يأتونا من خلفنا (وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ) بهمزةٍ مفتوحةٍ فواوٍ ساكنةٍ فطاءٍ فهمزةٍ ساكنةٍ، أي: مشينا عليهم وهم قتلى على الأرض (فَلَا تَبْرَحُوا) أي: فلا تزالوا(3) مكانكم (حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ) وعند أحمد والحاكم والطَّبرانيِّ من حديث ابن عبَّاسٍ: «إنَّ النَّبيَّ صلعم أقامهم في موضعٍ، ثمَّ قال: احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نُقتَل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا» (فَهَزَمُوهُمْ) وللأربعة: ”فهزمهم“ أي: هزم المسلمون الكفَّار.
          (قَالَ) أي: البراء: (فَأَنَا وَاللهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ) المشركات (يَشْتَدِدْنَ) بمثنَّاةٍ فوقيَّةٍ بعد الشِّين المعجمة وكسر الدَّال الأولى يفتعلن، أي: يسرعن المشي أو يشتددن(4) على الكفَّار، يقال: شدَّ عليه في الحرب، أي: حمل عليه(5)، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”يشدُدْن“ بإسقاط الفوقيَّة وضمِّ الدَّال الأولى. وقال عياضٌ: وقع للقابسيِّ في «الجهاد» ”يُسْنِدن“ بضمِّ أوَّله وسكون السِّين المهملة، بعدها نونٌ مكسورةٌ ودالٌ مهملةٌ، أي: يمشين في سند الجبل يردن أن يصعدنه حال كونهنَّ (قَدْ بَدَتْ) أي: ظهرت (خَلَاخِلُهُنَّ) بفتح الخاء، وفي «اليونينيَّة» بكسرها (وَأَسْوُقُهُنَّ) بضمِّ الواو، جمع ساقٍ، وضبطه بعضهم بالهمزة، لأنَّ الواو إذا انضمَّت جاز همزها، نحو: أدور وأدؤر، ليعينهنَّ ذلك على الهرب حال كونهنَّ (رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ) وسمَّى ابن إسحاق النِّساء المذكوراتِ؛ وهنَّ: هند بنت عُتبة خرجت مع أبي سفيان، وأمُّ حكيمٍ بنت الحارث بن هشامٍ خرجت(6) مع زوجها عكرمة بن أبي جهلٍ، وفاطمةُ بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها الحارث بن هشامٍ، وبرزةُ بنت مسعودٍ الثَّقفيَّة مع زوجها(7) صفوان بن أميَّة، وهي أمُّ ابن(8) صفوان، وريطةُ بنت منبِّه(9) السَّهميَّة‼ مع زوجها عمرو بن العاص، وهي والدة ابنه عبد الله، وسلافةُ بنت سعدٍ مع زوجها طلحة بن أبي طلحة الحجبيِّ، وخناس بنت مالكٍ أمُّ مصعب بن عميرٍ، وعمرةُ بنت علقمة، وعند غيره: كان النِّساء اللَّواتي خرجن مع المشركين يوم أُحُدٍ خمس عشرة امرأةً، وإنَّما خرجت قريشٌ بنسائها لأجل الثَّبات (فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرٍ) وهم الرَّجَّالة(10): (الغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ) أي: يا قوم (الغَنِيمَةَ) نصبٌ على الإغراء فيهما، وفي «اليونينيَّة»: ”الغنيمة“ مرَّة واحدة (ظَهَرَ) أي: غلب (أَصْحَابُكُمْ) المؤمنون الكفَّار (فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ الله صلعم ؟) والهمزة في «أنسيتم» للاستفهام الإنكاريِّ (قالُوا: وَاللهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الغَنِيمَةِ. فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ) أي: قلبت وحُوِّلت إلى الموضع الَّذي جاؤوا منه (فَأَقْبَلُوا) حال كونهم (مُنْهَزِمِينَ) عقوبةً لعصيانهم قولَه ╕ : «لا تبرحوا» (فَذَاكَ إِذْ) حين (يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ) في جماعتهم المتأخِّرة(11): إليَّ يا(12) عباد الله، أنا رسول الله، من يكرّ فله الجنَّة (فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ(13) صلعم غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا) منهم: أبو بكرٍ وعمر وعليٌّ وعبد الرَّحمن بن عوفٍ وسعد بن أبي وقاصٍ وطلحة بن عبيد الله والزُّبير بن العوَّام وأبو عبيدة بن الجرَّاح وحُباب بن المنذر وسعد بن معاذٍ وأُسيد بن حُضيرٍ (فَأَصَابُوا مِنَّا) أي: من(14) طائفةٍ من(15) المسلمين، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”منها“ (سَبْعِينَ) منهم: حمزة بن عبد المطَّلب ومصعب بن عميرٍ (وَكَانَ النَّبِيُّ صلعم وَأَصْحَابُهُ أَصَابَ) ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ: ”أصابوا“ (مِنَ المُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمئةً، سَبْعِينَ أَسِيرًا، وَسَبْعِينَ قَتِيلًا) سقط قوله «قتيلًا» من بعض النُّسخ (فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ) صخر بن حربٍ: (أَفِي القَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صلعم أَنْ يُجِيبُوهُ، ثُمَّ قَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟) أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: أَفِي القَوْمِ ابْنُ الخَطَّابِ؟) عمر (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) والهمزة في الثَّلاثة للاستفهام الاستخباريِّ، ونهيه ╕ عن إجابة أبي سفيان تصاونًا عن الخوض فيما لا فائدة فيه وعن خصامٍ مثلِه، وكان ابن قميئة قال لهم: قتلته (ثُمَّ رَجَعَ) أبو / سفيان إِلَى أَصْحَابِهِ(16) فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ) بتشديد الميم (فَقَدْ قُتِلُوا، فَمَا مَلَكَ عُمَرُ نَفْسَهُ فَقَالَ: كَذَبْتَ وَاللهِ يَا عَدُوَّ اللهِ، إِنَّ الَّذِينَ عَدَدْتَ لأَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ) وإنَّما أجابه بعد النَّهي حمايةً للظنِّ‼ برسول الله صلعم أنَّه قُتِل، وأنَّ بأصحابه الوهن، فليس فيه عصيانٌ له في الحقيقة (وَقَدْ بَقِيَ لَكَ مَا يَسُوؤُكَ) يعني: يوم الفتح (قَالَ) أي: أبو سفيان: (يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ) أي: هذا اليوم في مقابلة يوم بدرٍ (وَالحَرْبُ سِجَالٌ) أي: دُوَل مرَّة لهؤلاء ومرَّة لهؤلاء (إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي القَوْمِ مُثْلَةً) بضمِّ الميم وسكون المثلَّثة، أي: أنَّهم جدعوا(17) أنوفهم، وبقروا بطونهم، وكان حمزة ☺ ممَّن مُثِّل به (لَمْ آمُرْ بِهَا) يعني: أنَّه لا يأمر بفعل قبيحٍ لا يجلب لفاعله نفعًا (وَلَمْ تَسُؤْنِي) أي: لم أكرهها وإن كان وقوعها بغير أمري، وعند ابن إسحاق: «والله ما سخطتُ وما نهيتُ وما أمرتُ» وإنَّما لم تسؤه لأنَّهم كانوا أعداءً له، وقد كانوا قتلوا ابنه يوم بدرٍ (ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ) بقوله: (اُعْلُ هُبَل، اُعْلُ هُبَل) بضمِّ الهمزة وسكون العين المهملة، و«هُبَل»: بضمِّ الهاء وفتح الموحَّدة: اسم صنمٍ كان في الكعبة، أي: علا حزبك يا هُبَل، فحذف حرف النِّداء (قَالَ) ولأبي الوقت(18): ”فقال“ (النَّبِيُّ صلعم : أَلَا تُجِيبُوا لَهُ) أي: لأبي سفيان، و«تجيبوا» بحذف النُّون بدون ناصبٍ لغةٌ فصيحةٌ، ولأبي ذَرٍّ والأَصيليِّ: ”ألا تجيبونه؟“ «بالنُّون» بدل: «اللَّام»، ولأبي ذَرٍّ: ”ألا تجيبوه؟“ بحذف النُّون (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ) بقطع همزة «الله» في «اليونينيَّة» (قَالَ) أبو سفيان: (إنَّ لَنَا العُزَّى) صنمٌ كان لهم (وَلَا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَلَا تُجِيبُوا لَهُ؟) باللَّام، ولأبي ذَرٍّ والأصيلي(19): ”ألا تجيبونه؟“، ولأبي ذَرٍّ أيضًا: ”ألا تجيبوه؟“ بحذف النُّون (قَالَ(20): قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ(21)، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: اللهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ) أي: الله ناصرنا.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «المغازي» [خ¦4043] و«التَّفسير» [خ¦4561]، وأبو داود في «الجهاد»، والنَّسائيُّ في «السِّير» و«التَّفسير».


[1] قوله: «بفتح الخاء... تتخطفنا»: سقط من (د).
[2] في (م): «عن».
[3] «فلا تزالوا»: ليس في (د1) و(ص).
[4] في (د): «يشددْنَ».
[5] «عليه»: ليس في (ب).
[6] «خرجت»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[7] قوله: «زوجها» زيادة توضيحية من فتح الباري.
[8] في (م): «أبي» وكلاهما صحيحٌ.
[9] في جميع النُّسخ: «شيبة» ولعلَّه محرَّفٌ عن المثبت من كتب التَّراجم.
[10] في (ص): «الرحالة» وهو تصحيفٌ.
[11] في (م): «المتأخِّرين» وليس بصحيحٍ.
[12] «يا»: مثبتٌ من (د) و(د1) و(م).
[13] في (د): «رسول الله».
[14] «مِن»: ليس في (ب).
[15] «مِن»: ليس في (د) و(م).
[16] «إلى أصحابه»: ليس في (ص).
[17] في (د): «جذعوا» وهو تصحيفٌ.
[18] في (د): «ولأبي ذرِّ» وليس بصحيحٍ.
[19] قوله: «ألا تجيبوا... الأصيلي»: سقط من (م).
[20] «قال»: ليس في (د1) و(م).
[21] «يا رسول الله»: ليس في (م).