إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تمنوا لقاء العدو

          3024- 3025- وبه قال: (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى) بن عيسى المروزيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ اليَرْبُوعِيُّ) الخيَّاط الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) إبراهيم بن محمَّدٍ (الفَزَارِيُّ) بفتح الفاء والزَّاي وكسر الرَّاء (عَنْ مُوسَى بْنِ / عُقْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (سَالِمٌ) هو ابن أبي(1) أميَّة (أَبُو النَّضْرِ) بفتح النُّون وسكون الضَّاد المعجمة (مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ) بضمِّ العين فيهما، التَّيميُّ(2) المدنيُّ وكان أميرًا على حرب الخوارج قال: (كُنْتُ كَاتِبًا لَهُ) أي: لعمر بن عبيد الله، لا لعبد الله بن أبي أوفى (قَالَ) أي: سالمٌ: (كَتَبَ إِلَيْهِ) أي: إلى عمر بن عبيد الله التَّيميِّ‼ (عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى) بفتح الهمزة والفاء، بينهما واوٌ ساكنةٌ، وفي نسخةٍ: ”قال: كنت كاتبًا لعمر بن عُبيد الله، فأتاه كتاب عبد الله بن أبي أوفى“ (حِينَ خَرَجَ إِلَى الحَرُورِيَّةِ) بفتح الحاء المهملة (فَقَرَأْتُهُ فَإِذَا فِيهِ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ انْتَظَرَ) خبرُ «إنَّ» (حَتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ) عن خطِّ وسط السَّماء.
          (ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ) خطيبًا (فَقَالَ): يا(3) (أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ) بحذف إحدى تاءي «تمنَّوا». فإن قلت: تمنِّي لقاء العدوِّ جهادٌ، والجهاد طاعةٌ، فكيف ينهى عن الطَّاعة؟ أُجيبَ: بأن المرء لا يدري ما يؤول إليه الحال، وقصَّة الرَّجل الَّذي أثخنته (4) الجراح في غزوة خيبر وقتْلِ نفسِه حتَّى آل أمرُهُ أَن كان من أهل النَّار شاهدةٌ لذلك، وقد روى سعيد بن منصورٍ من طريق يحيى بن أبي كثيرٍ(5) مرسلًا: «لا تمنَّوا لقاء العدوِّ، فإنَّكم لا تدرون عسى أن تُبتَلَوا بهم(6)» أو النَّهي لما في التَّمنِّي من صورة الإعجاب والاتِّكال على النُّفوس، والوثوق بالقوَّة وقلَّة الاهتمام بالعدوِّ، وتمنِّي الشَّهادة ليس مستلزمًا لتمنِّي لقاء العدوِّ، فيجوز، وتمنِّي(7) لقاء العدوِّ جهادٌ أو مستلزمٌ له، وتمنِّي الجهاد مستلزمٌ للقاء العدوِّ، وهو يتضمَّن الضَّرر المذكور، ولذا تمَّمه ╕ بقوله: (وَسَلُوا اللهَ العَافِيَةَ) من هذه المخاوف المتضمِّنة للقاء العدوِّ، وهو نظير سؤال العافية(8) من الفتن، وقد قال الصِّدِّيق الأكبر أبو بكرٍ ☺ : لأنْ أُعافى فأشكرَ أحبُّ إليَّ من أن أُبتلى فأصبرَ، وهل يُؤخذ منه منع طلب المبارزة لأنَّه من تمنِّي لقاء العدوِّ، ومن ثمَّ قال عليٌّ لابنه: يا بنيَّ لا تَدْعُ أحدًا إلى المبارزة، ومَن دعاك إليها فاخرج إليه لأنَّه باغٍ، والله قد ضمن نصر من بُغِيَ عليه، ولطلب المبارزة شروطٌ معروفةٌ في الفقه إذا اجتمعت أُمِن معها المحذُور في لقاء العدوِّ المنهيُّ عن تمنِّيه (فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا) أي: اثبتوا، ولا تظهروا التَّألُّم من شيءٍ يحصل لكم، فالصَّبر في القتال: هو كظم ما يُؤلِم من غير إظهار شكوى ولا جزعٍ، وهو الصَّبر الجميل (وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ) أي: ثوابها (تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) وقال النَّوويُّ: معناه: أنَّ الجهاد وحضور معركة الكفَّار طريقٌ إلى الجنَّة، وسببٌ لدخولها (ثُمَّ قَالَ) صلعم : (اللَّهُمَّ) يا (مُنْزِلَ الكِتَابِ) الفرقان أو سائر الكتب السَّماويَّة (وَ) يا (مُجْرِيَ السَّحَابِ) بنزول الغيث بقدرته (وَ) يا (هَازِمَ الأَحْزَابِ) وحده، إشارةٌ إلى تفرُّده بالنَّصر، وهزم ما يجتمع من أحزاب العدوِّ (اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا‼ عَلَيْهِمْ) وفي رواية الإسماعيليِّ في هذا الحديث من وجهٍ آخرَ: أنَّه صلعم دعا أيضًا فقال: «اللَّهمَّ أنت ربُّنا وربُّهم، ونحن عبيدك، وهم عبيدك (9)، نواصينا ونواصيهم بيدك، فاهزمهم وانصرنا عليهم».
          (وَقَالَ مُوسَى بن عُقْبَة) بالإسناد المذكور، وكأنَّ المؤلِّف رواه بالإسناد الواحد مطوَّلًا ومختصرًا: (حدَّثني) بالإفراد (سالمٌ أبو النَّضر) كذا في رواية أبي ذرٍّ، وسقط عند غيره من قوله «مولى عمر بن عبيد الله(10)» إلى هنا، وساق في رواية أبي ذرٍّ الحديث كالباقين (كُنتُ كاتِبًا لِعُمَرَ بنِ عُبَيدِ اللهِ) صريحٌ في أنَّ سالمًا كاتبُ عمر بن عبيد الله، وهو يردُّ على العينيِّ كالحافظ ابن حجرٍ حيث رجَّعا الضَّمير في قوله في «باب الجنَّة تحت بارقة السُّيوف» [خ¦2818] عن سالمٍ أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله _وكان كاتبًا له_ إلى عبد الله بن أبي أوفى (فأتاه) أي: عمر بن عبيد الله (كتابُ عبدِ الله بنِ أبي أَوفَى ☻ أنَّ رسولَ الله صلعم قَالَ: لا تمنَّوا لِقاءَ العَدوِّ) بحذف إحدى تاءي «تمنَّوا».


[1] «أبي»: ليس في (د).
[2] في (م): «التَّميمي» وهو تحريفٌ.
[3] «يا»: ليس في (ب) و(ص).
[4] في (ص): «أثخنه».
[5] في (م): «بكير»، وفي غير (د) و(د1): «بكر» وكلاهما خطأٌ.
[6] في (م): «به».
[7] في غير (س): «فيجوز تمنِّي».
[8] قوله: «من هذه المخاوف... العافية» سقط من (م).
[9] «وهم عبيدك»: مثبتٌ من (م).
[10] اسم الجلالة: ليس في (د).