إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار

          2858- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزةَ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ) أباه (عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ ☻ ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ / صلعم يَقُولُ: إِنَّمَا الشُّؤْمُ) كائنٌ (فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الفَرَسِ) أي: إذا لم يغزَ عليه، أو كان(1) شموسًا (وَالمَرْأَةِ) إذا كانت غير ولودٍ، أو غير قانعةٍ أو سليطةً (وَالدَّارِ) ذات الجار السُّوء، أو الضَّيِّقة، أو البعيدة من المسجد لا تسمع الأذان، وقد يكون الشُّؤْمُ في غير هذه الثَّلاثة، فالحصر فيها _كما قاله(2) ابن العربيِّ_ بالنِّسبة إلى العادة، لا بالنِّسبة إلى الخِلْقة. وقال الخطَّابيُّ: اليُمْن والشُّؤْم علامتان لما يصيب الإنسان من الخير والشَّرِّ، ولا يكون(3) شيءٌ من ذلك إلَّا بقضاء الله، وهذه الأشياء الثَّلاثة ظروفٌ، جُعِلَت مواقع لأقضيةٍ(4) ليس لها بأنفسها وطبائعها(5) فعلٌ، ولا تأثيرٌ في شيءٍ إلَّا أنَّها لمَّا كانت أعمَّ الأشياء الَّتي يقتنيها الإنسان، و(6) كان‼ في غالب أحواله لا يستغني عن دارٍ يسكنها، وزوجةٍ يعاشرها، وفرسٍ مرتبطةٍ، ولا يخلو عن عارضٍ مكروهٍ في زمانه، أضيف(7) اليُمْن والشُّؤْم إليها إضافةَ مكانٍ، وهما صادران عن مشيئة الله ╡. انتهى. وقد روى الحديثَ مالكٌ وسفيانُ وسائر الرُّواة بدون «إنَّما» واتَّفقت الطُّرق كلُّها على الاقتصار على الثَّلاثة المذكورة. نعم، زادت أمُّ سلمة في حديثها المرويِّ في «ابن ماجه»: «السَّيف»(8) ولمسلمٍ من طريق(9) يونس عن ابن شهابٍ: «لا عَدوى ولا طِيَرة، وإنَّما الشُّؤْم في ثلاثةٍ: المرأةِ، والفرسِ، والدَّارِ» وظاهره أنَّ الشُّؤم والطِّيرة في هذه الثَّلاثة. وعند أبي داود من حديث سعد بن مالكٍ مرفوعًا: «لا هامَّة ولا عَدوى ولا طِيَرة، وإن تكن الطِّيرة في شيءٍ ففي الدَّار والفرس والمرأة» قال الخطَّابيُّ وكثيرون: هو في معنى الاستثناء من الطِّيرة، أي: الطِّيرة منهيٌّ عنها إلَّا في هذه الثَّلاثة. وقال الطِّيبيُّ في «شرح المشكاة»: يُحتمَل أن يكون معنى الاستثناء على حقيقته، وتكون هذه الثَّلاثة خارجةً من(10) حكم المستثنى منه، أي: الشُّؤم ليس في شيءٍ من الأشياء إلَّا في هذه الثَّلاثة، قال: ويحتمل أن ينزل(11) على قوله صلعم : «لو كان شيءٌ سابق القدر سبقه(12) العين» والمعنى: أَنْ لو فُرِضَ شيءٌ له قوَّةٌ وتأثيرٌ عظيمٌ يسبق القدر لكان عينًا، والعين لا تَسبقُ فكيف بغيرها. وعليه كلام القاضي عياضٍ، حيث قال: وجه تعقيبِ قولِه: «ولا طيرة» بهذه الشَّريطة(13) يدلُّ على أنَّ الشُّؤم أيضًا منفيٌّ عنها، والمعنى: أنَّ الشُّؤم لو كان له وجود في شيءٍ لكان في هذه الأشياء، فإنَّها أَقْبل الأشياء له(14)، لكنْ لا وجود له فيها، فلا وجود له أصلًا. انتهى. قال الطِّيبيُّ: فعلى هذا: الشُّؤمُ في الأحاديث المستشهَد بها محمولٌ على الكراهة الَّتي سببُها ما في الأشياء من مخالفة الشَّرع أو الطَّبع، كما قيل: شؤم الدَّار ضيقُها وسوء جيرانها، وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها ونحوهما، وشؤم الفرس ألَّا يُغزَى عليها، فالشُّؤم فيها عدم موافقتها له شرعًا أو طبعًا. ويؤيِّده ما ذكره في «شرح السُّنَّة» كأنَّه يقول: إِنْ كان لأحدكم(15) دارٌ يكره سكناها، أو امرأةٌ يكره صحبتها، أو فرسٌ لا تعجبه، فليفارقْها بأن ينتقل عن الدَّار، ويطلِّق المرأة، ويبيع الفرس، حتَّى يزول عنه ما يجده في نفسه من الكراهة، كما قال صلعم في _جواب مَن قال: يا رسول الله إنَّا كنَّا في دارٍ كثيرٍ فيها عددنا وأموالنا، فتحوَّلْنا إلى أخرى، فقَلَّ فيها ذلك_ «ذروها ذميمةً»(16). رواه أبو داود، وصحَّحه الحاكم، فأمرهم بالتَّحُّول عنها؛ لأنَّهم كانوا فيها على استثقالٍ واستيحاشٍ، فأمرهم صلعم بالانتقال عنها لِيزولَ عنهم ما يجدون من الكراهة، لا أنَّها(17) سببٌ في ذلك، وقيل: يُحمَل الشُّؤم‼ هنا على معنى قلَّة الموافقة وسوء الطِّباع، كما في حديث سعد بن أبي وقَّاصٍ عند أحمدَ مرفوعًا: «من سعادة المرء المرأةُ الصَّالحةُ، والمسكن الصَّالح، والمركب الهنيء، ومن شقاوة المرء المرأة السُّوء، والمسكن السُّوء، والمركب السُّوء» وقد جاء عن عائشة ♦ : أنَّها أنكرت على أبي هريرة تحديثه بذلك، فعند أبي داود الطَّيالسيِّ في «مسنده» عن مكحولٍ قال: قيل لعائشة: إنَّ أبا هريرة قال: قال رسول الله صلعم : «الشُّؤم في ثلاثةٍ» فقالت: لم يَحْفَظ(18)، إنَّه دخل وهو(19) يقول: «قاتل الله اليهود يقولون: الشُّؤم في ثلاثةٍ» فسمع آخر الحديث، ولم يسمعْ أوَّله، لكنَّه منقطعٌ لأنَّ مكحولًا لم يسمع من عائشة. نعم، روى أحمد وابن خزيمة وصحَّحه الحاكم من طريق(20) قتادة عن أبي حسَّان: أنَّ رجلين من بني عامر دخلا على عائشة، فقالا: إنَّ أبا هريرة قال: إنَّ رسول الله صلعم قال: «الطِّيرة في الفرس / والمرأة والدَّار» فغضبت غضبًا شديدًا وقالت: ما قاله، وإنَّما قال: «إنَّ أهل الجاهليَّة كانوا يتطيَّرون من ذلك» فأخبرت أنَّه ╕ إنَّما قال ذلك حكايةً عن أهل الجاهليَّة فقط، لكنْ لا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة مَن ذُكِرَ من الصَّحابة له في ذلك.
          وهذا الحديث أخرجه[مسلم في «السلام»](21) والنَّسائيُّ في «عِشْرة النِّساء».


[1] «كان»: مثبتٌ من (ب) و(د) و(س).
[2] في (ص): «قال».
[3] في (د) و(ص) و(ل): «يكن».
[4] في (د): «الأقضية».
[5] في (ص): «طباعها» كذا في أعلام الحديث.
[6] في (د): «وذلك».
[7] في (د): «أضاف».
[8] في (د): «و السَّيف» وليس بصحيحٍ.
[9] زيد في (د): «ابن»، وهو خطأٌ.
[10] في (ب): «عن» كذا في شرح المشكاة.
[11] في (د): «يتنزَّل».
[12] في (د): «سبقته» كذا في شرح المشكاة.
[13] في (ص): «الشَّرطيَّة» كذا في شرح المشكاة.
[14] في غير (ب) و(س): «لها» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[15] في (د): «لأحدهم».
[16] في (ل): «ذروها ذمِّيَّة».
[17] في غير (ب) و(م): «لأنَّها».
[18] في (ص): «نحفظ».
[19] أي: ورسول الله صلعم، كما في مسند الطيالسي.
[20] في (د): «حديث».
[21] بدل ما بين معقوفين بياض في الأصل في كلِّ النسخ عدا (د1) و(م) ففيهما: «مسلم في الطِّبِّ»، والصواب المثبت.