الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلى والسترة

          ░91▒ (باب: قدر كم ينبغي...) إلى آخره
          وفي «تراجم شيخ المشايخ»: غرضه مِنْ إثبات ذلك ألَّا يتجاوز المصلِّي عن هذا القدر، لئلَّا يفضي إلى تضييق الطَّريق على النَّاس، والموضع الَّذِي يكون مِنَ القَدم إلى موضع الجبهة، وثبت أنَّه كان بين موضع قيامه صلعم وبين الجدار ثلاثة أذرعٍ، فإذا كان كذلك فتقريبًا يبقى بين مصلَّاه أي: موضع سجوده وبين الجدار ممرُّ الشَّاة. انتهى.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع» الظَّاهر أنَّ المصلِّي على زنة الفاعل، والمراد بالمسافة الواقعة بينهما هي المسافة بين موضع سجوده والجدار، ولا مانع عن حمله على المفعول درايةً، ولعلَّ الرِّواية لا تساعد عليه، والمراد بالمصلَّى جملة ما يكون مِنْ مقام المصلِّي إلى موضع سجوده، فالمقصود على الوجهين جميعًا بيان ما بين الجدار وموضع الجبهة مِنَ الأرض.
          والمراد بقوله: (ممرُّ الشَّاة) أي: يمكن لها المرور على عسرةٍ ودقَّةٍ، وفي الرِّواية الآتية: لا تكاد تمرُّ بسهولةٍ وسعةٍ، أو المراد أنَّه كان بحيث يمكن فيه مرور الهزيلة والصَّغيرة ولا يمكن ممرُّ الكبيرة والسَّمينة، فالنَّفي راجعٌ إلى غير ما رجع إليه الإثبات، وإن بُني الأمر على أنَّه تخمينٌ مِنَ الكلِّ حسب ظنِّه أو أنَّه تقريبٌ فقط فالأمر أسهل مِنْ أن يجاب. انتهى.
          قال الحافظ: لفظ (المصلِّي) بكسر اللَّام ويحتمل الفتح، وتعقَّب العينيُّ بقوله: هذا احتمالٌ أخذه مِنْ كلام الكرمانيِّ ثُمَّ ردَّ عليه، واقتصر القَسْطَلَّانيُّ على كسر اللَّام، وهذا كلُّه في التَّرجمة، وأمَّا في الحديث فبالفتح لا غير.
          والأوجه عندي أنَّ الإمام البخاريَّ أشار في التَّرجمة حيث بوَّب المصلِّي بكسر اللَّام إلى اختلافٍ بين العلماء في أنَّ هذا المقدار بين السُّترة وبين موضع السُّجود أو بينهما وبين موضع القيام، وبالأوَّل قالت الجمهور، وبالثَّاني قال بعض المالكيَّة، ولذا قال: ينبغي أن يكون الشِّبر بينه وبين السُّترة وهو قائمٌ، فإذا ركع تأخَّر بثلاثة أذرعٍ، قال: والتَّأخُّر وإن كان عمدًا، لكنَّه لمصلحة الجمع بين الحديثين، لكن قال السِّنديُّ: هذا بعيدٌ فالوجه(1) أن يحمل المصلَّى على موضع السُّجود، وما في بعض الرِّوايات مِنْ لفظ موضع القيام تصرُّفٌ مِنَ الرِّواة(2). انتهى.
          قلت: ومسألة حريم المصلِّي مختلفةٌ، ففي «الأوجز» اختلفوا في قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلِّي والسُّترة؟ ومحصوله أنَّ مالكًا لم يحدَّ(3) في ذلك حدًّا إلَّا أنَّ ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد، ويتمكَّن مِنْ دفع مَنْ يمرُّ بين يديه، وقدره في فروع الأئمَّة الثَّلاثة بقدر ثلاثة أذرعٍ. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((ما لوجه)).
[2] حاشية السندي1/67
[3] في (المطبوع): ((يجد)).