الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب حك المخاط بالحصى من المسجد

           ░34▒ (باب: حَكِّ المُخَاط بالحَصَى...) إلى آخره
          وفي «تراجم شيخ المشايخ»: غرض المؤلِّف مِنْ عقد هذا الباب أنَّ ما ذهب إليه بعض العلماء مِنْ أنَّ المخاط نجسٌ، وتمسَّكوا بهذا الحديث حيث قالوا: إنَّ حَكَّه ◙ كان للتَّطهير لا للتَّنظيف محتمل الحديث، ويحتمل أن يكون غرضه إبطالَ ذلك المذهب، ومثلَ ذلك يفعل المؤلِّف في كتابه كثيرًا، وإيراد تعليق الباب لأجل هذه المناسبة، وهاهنا توجيهٌ آخر مطَّردٌ في أكثر المواضع، وهو أجود التَّوجيهات عندي، وهو أنَّه مِنْ دأب المصنِّف أن يورد حديثًا واحدًا متعدِّد الطُّرق مرارًا متعدِّدةً، ويعقد كلَّ ترجمة بلفظٍ آخر واقعٍ في ذلك الحديث، ومقصوده ليس إلَّا إكثار طرق الحديث كما وقع في هذا المقام. انتهى.
          قلت: وهذا هو الأصل السَّابعَ عشرَ مِنْ أصول التَّراجم، قلت: وما أفاد شيخ المشايخ: ويحتمل أن يكون غرضه إبطالَ ذلك المذهب هو مذهب جماعةٍ مِنَ التَّابعين، قال ابن رَسْلان: قال ابن بطَّالٍ: لا أعلم خلافًا لأحدٍ في أنَّ البزاق طاهرٌ إلَّا ما روي عن سلمان الفارسيَّ، فإنَّه جعله غير طاهرٍ، والحسن البصريُّ كرهه في الثَّوب تنزيهًا(1). انتهى.
          وحكى ابن العربيِّ عن النَّخَعيِّ نجاسة الرَّيق، كذا في «هامشي على البذل» ثُمَّ يشكل على الرِّوايات الواردة في التَّرجمتين، قال الكَرْمانيُّ: في حديث ابن عمر ☺ في الباب الأوَّل: هذا يدلُّ على بعض التَّرجمة إذ لا يعلم منه أنَّ حكَّه كان بيده ومِنَ المسجد.
          قلت: المتبادر إلى الفهم مِنْ إسناد الحكِّ إليه صلعم أنَّه كان بيده الشَّريفة، والمعهود مِنْ جدار القبلة جدار قبلة مسجد رسول الله صلعم. انتهى.
          قال الحافظ: قوله: (في جدار القبلة)، وفي روايةٍ: <في جدار المسجد>، وللمصنِّف في آخر الصَّلاة مِنْ طريق أيُّوب عن نافعٍ: (في قبلة المسجد)، وهو مطابقٌ للتَّرجمة. انتهى.
          وقال الكَرْمانيُّ: في أوَّل حديث الباب الثَّاني: فإن قلت: عَقَد الباب على حكِّ المخاط، والحديث يدلُّ على حكِّ النُّخامة، قلت: لمَّا كانا فضلتين طاهرتين لم يفرِّق بينهما، إشعارًا بأنَّ حكمهما واحدٌ. انتهى.
          وقال العينيُّ: والأوجه أن يقال: وإن كان بينهم فرقٌ وهو أنَّ المخاط يكون مِنَ الأنف، والنُّخامة مِنَ الصَّدر، لكنَّه ذكر المخاط في التَّرجمة والنُّخامة في الحديث، إشعارًا بأنَّ بينهما اتِّحادًا في اللُّزوجة وأنَّ حكمهما واحدٌ مِنْ هذه الحيثيَّة أيضًا. انتهى.
          قلت: وهذا هو الأوجه ممَّا ذكره الكرمانيُّ. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع» / مع زيادةٍ مِنْ حواشي «البذل»(2).
          قوله: (وقال ابن عبَّاسٍ:...) إلى آخره لا تَعَلُّق لهذا الأثر بالتَّرجمة على الظَّاهر، ولذا اختلفوا في توجيهه، وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: أشار بنقل الأثر [إلى] أنَّ الوجه في كراهة البصاق ليس هو التَّقذُّر، إذ لو كان الوجه هو التَّقذُّر لفرَّق بين رطبه ويابسه، كما فرَّق ابن عبَّاسٍ بينهما في النَّعل لذلك. انتهى.
          وحاصل ما أفاده الشَّيخ أنَّ كراهة البصاق ليست لمجرَّد التَّقذُّر، بل لاحترام المسجد، ولذا يُحَكُّ عن المسجد مطلقًا، ولفظ «تقرير مولانا محمَّد حسن المكيِّ» ⌂: أمَّا المسجد فيُحَكُّ عنه اليابس أيضًا، وبه حصلت المناسبة بترجمة الباب. انتهى.
          وفي «تقرير مولانا حسين على البنجابيِّ» ⌂: القذر أعمُّ مِنَ النَّجس إذ معناه ما يقذره الطَّبيعة، والمخاط والبزاق مِنَ القذر فلا حاجة إلى بيان المناسبة. انتهى.
          ذكر في «هامش اللَّامع» عدَّة توجيهاتٍ مِنَ الشُّروح، وفي آخره: والأوجه عندي أنَّ الإمام البخاريَّ نبَّه بالتَّرجمتين وبذكر التَّعليق على إزالة البزاق وغيره مِنَ المسجد مطلقًا، احترامًا للمسجد كما تقدَّم في كلام الشَّيخ، ويكفي للبزاق اليد، وللمخاط وغيره ينبغي الحصى ونحوه لشدَّة اللُّزوجة، وهذا كلُّه في اليابس، ولا بدَّ مِنْ غسل الرَّطب لأنَّه لا يزول بالحكِّ، وعلى هذا فَذَكَر التَّعليق تنبيهًا على إزالة الرَّطب بالغسل(3)، فتأمَّل. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((تنزهًا)).
[2] بذل المجهود3/317.
[3] في (المطبوع): ((للغسل)).