الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب وجوب الصلاة في الثياب وقول الله تعالى {خذوا زينتكم عند}

           ░2▒ (باب: وجُوب الصَّلاة...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع» قلت: حاصل التَّرجمة أمران: وجوب السَّتر والاكتفاء بأقلِّ / ما يحصل به التَّستُّر، وهذا الأخير له شُعبٌ وتفاصيل نبَّه على أكثرها ورودًا، وكلُّ أبواب هذه الأقسام تفصيلٌ لهذا الباب المعقود أوَّلًا فلا يُعترض بتكرار بعض التَّراجم فإنَّها تفصيلٌ لإجمال هذا الباب، والله أعلم. انتهى.
          وفي «هامشه»: غرض التَّرجمة الرَّدُّ على المالكيَّة إذ المعروف عنهم كون التَّستُّر سنَّةً لا يبطل الصَّلاة بتركه، ومنهم مَنْ فرَّق بين العامد والنَّاسي، وجزم الإمام البخاريُّ بالوجوب لقوَّة الدَّلائل، وبه قالت الأئمَّة الثَّلاثة الباقية. انتهى.
          وهذا هو الأصل السَّادس والأربعون مِنْ أصول التَّراجم، ويحتمل أنَّه أشار بالتَّرجمة إلى الاختلاف في قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف:31] في أنَّ الأمر للوجوب أو النَّدب، كما في «الأوجز».
          وفيه عن ابن رشدٍ: ومَنْ حمله على الوجوب قال: المراد به ستر العورة، ومَنْ حمله على النَّدب قال: المراد بذلك الزِّينة الظَّاهرة، مِنَ الرِّداء وغير ذلك مِنَ الملابس الَّتي هي زينةٌ، قالوا: ولذلك مَنْ لم يجد ما يستر به عورته لم يختلف في أنَّه يصلِّي(1). انتهى.
          قوله: (ومَنْ صلَّى ملتحفًا...) إلى آخره.
          وفي «تراجم شيخ المشايخ»: غرضه الإشارة إلى حديث الأمر بالاستحباب لِمَنْ صلَّى في ثوبٍ واحدٍ، لأنَّه يدلُّ على(2) أنَّ وجوب أصل الصَّلاة، كذا في الأصل والصَّواب بدله الثِّياب مسلَّمٌ ثابتٌ في الشَّرع، حيث لم يتعرَّض إلَّا لبيان الكيفيَّات مِنَ الالتحاف والاشتمال والتَّوشيح وغيرها، وقس على هذا قوله: (ويذكر عن سَلَمة بن الأكوع...) إلى آخره. انتهى.
          قلت: والأوجه عندي أنَّ هذا الجزء مِنَ التَّرجمة والآتي كلُّها مِنَ الأصل السِّتِّين مِنْ أصول التَّراجم كما تقدَّم في الجزء الأوَّل، وفيه أنَّ الشُّرَّاح اضطربوا في إثباتها بالحديث وأتوا لذلك ولدفع التَّكرار عنها توجيهاتٌ عديدةٌ فإنَّ هذه التَّرجمة ستأتي قريبًا مستقلًّا، وليست التَّرجمة عندي مُثْبَتَةً _بفتح الموحَّدة_ حتَّى يقال فيها ما قالوا بل هي مُثْبِتَةٌ _بكسر الموحَّدة_ لوجوب الثِّياب. انتهى.
          قوله: (ومَنْ صلَّى في الثَّوب الَّذِي يجامع فيه...) إلى آخره، وكتب شيخ المشايخ في «التَّراجم»: احتاج في هذا الباب إلى هذ النَّوع مِنَ الاستدلال بالإيماءات والإشارات الخفيَّة، لأنَّه لم يرد فيه نصٌّ يدلُّ عليه. انتهى.
          قال الحافظ: يشير إلى ما رواه أبو داود والنَّسَائيُّ وغيرهما مِنْ طريق معاوية بن أبي سفيان أنَّه سألت(3) أخته أم حبيبة هل كان رسول صلعم يصلِّي في الثَّوب الَّذِي يجامع فيه، قالت: نعم، إذ(4) لم ير فيه أذًى، وهذا مِنَ الأحاديث الَّتي تضمَّنتها التَّراجم بغير روايةٍ حتَّى ولا التَّعليق(5). انتهى.
          قلت: ويمكن عندي أن يستدلَّ له بما سيأتي مِنْ قوله ╕: (أو لِكُلِّكُم ثَوبَان؟) والأوجه منه أنَّ هذا الجزء أيضًا مثبتٌ لما سبق فلا يحتاج لإثباته إلى دليلٍ، وهكذا قوله: (أمر النَّبيُّ صلعم ألَّا يطوف بالبيت عريان...) إلى آخره، يشكل عليه بوجهين:
          أحدهما: عدم ثبوته بالحديث الوارد في الباب.
          والثَّاني: أنَّ المسألة مِنْ كتاب الحجِّ، وسيأتي في محلِّه (باب: لا يطوف بالبيت عريان)، وعلى ما اخترته في ذلك مِنْ أنَّه ليس بمقصودٍ بالذِّكر بل ذكره مبالغةً في وجوب الثِّياب للصَّلاة، فإنَّه صلعم منع الطَّواف بالبيت عريانًا، والطَّواف بالبيت صلاةٌ حكمًا، فكيف بالصَّلاة حقيقةً؟ انتهى.


[1] أوجز المسالك:3/102
[2] قوله: ((على)) ليس في (المطبوع).
[3] في (المطبوع): ((سأل)).
[4] في (المطبوع): ((إذا)).
[5] فتح الباري1/466