الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله

          ░51▒ (باب: مَنْ صَلَّى وقُدَّامَه تَنُّورٌ...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: يعني بذلك أنَّ المصلِّي إذا لم ينوي(1) بصلاته إلَّا الله فإنَّ صلاته جائزةٌ، إلَّا أنَّه إذا كان فيه شبهٌ بعبدة الأصنام فإنَّها حينئذٍ لا تخلو عن كراهةٍ وإن سقطت عن ذمَّته. انتهى.
          قال الحافظ: أشار [به] إلى ما ورد عن ابن سيرين أنَّه كره الصَّلاة إلى التَّنُّور. انتهى.
          والمعروف على ألسنة المشايخ أنَّ الإمام البخاريَّ أراد بالتَّرجمة الرَّدَّ على الحنفيَّة حيث كرهوا الصَّلاة إليها، قال القَسْطَلَّانيُّ: كرهه الحنفيَّة لما فيه مِنَ التَّشبه بعبادة المذكورات. انتهى.
          وفي الشَّرح الكبير: يكره أن يصلِّي(2) إلى نارٍ، قال أحمد: إذا كان التَّنُّور في قبلته لا يصلِّي إليه... إلى آخر ما في «هامش اللَّامع».
          وفي «تراجم شيخ المشايخ» غرض المؤلِّف مِنْ عقد هذا الباب دفع توهُّم مَنْ توهَّم أنَّه لا تجوز صلاة الرَّجل وقدَّامه تنُّورٌ للتَّشبيه بالمجوس، وفي استدلال المصنِّف بالرِّواية نوع خفاءٍ لا يخفى، وتوجيهه أنَّ كون النَّار قدَّام المصلِّي لو كان غير مرضيٍّ عند الله ومفسد(3) لصلاته لما ساغ ذلك في حقِّ حبيبه ونبيِّه ولما أحْضَرَها قُدَّام نبيِّه صلعم. انتهى.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: ثُمَّ(4) إنَّ استدلاله بالرِّواية لا يخلو عن لطافةٍ ما، فإنَّه أظهر بذلك أنَّ وجه الشَّبه إذا كان خفيًّا لا يدرك فإنَّه لا يكون مورثًا للكراهة، ووجهه ارتفاع سبب الكراهة، فإنَّ الَّذِي أمامه نارٌ أو صورةٌ أو قبرٌ فسترها لم يبق بعد السَّتر شبهٌ بعبدة الأصنام، فكذلك النَّار الغائبة عن الأعين كما رُؤُيَهَا(5) النَّبيُّ صلعم فإنَّها لم تَصِر سببًا للشَّبه لاستتارها، ومِنْ هاهنا يُعْلَم حال التَّنُّور الَّذِي ذكره في التَّرجمة، فإنَّ مَنْ صلَّى وقدَّامه تنُّورٌ فإنَّ صلاته خاليةٌ عن الكراهة لارتفاع العلَّة، وعلى هذا حكمُ النَّار وغيره، وعلى هذا فلم يكن صلاته صلعم ممَّا نحن فيه، أي مِنَ الصَّلوات المكروهة، وأمَّا ما أجاب بعضهم بعد تسليم سبب الكراهة أنَّ ذلك كان اضطرارًا منه صلعم لا اختيارًا فبعيدٌ، لأنَّ النَّار لو لم تكن في اختياره، فإنَّ صلاته كانت في اختياره، فلو كانت فيه كراهةٌ لا سيَّما التَّحريميَّة لأفسدها، فافهم. انتهى.
          وبسط في «هامشه» كلام الشُّرَّاح في وجه الاستدلال، ثُمَّ يشكل على البخاريِّ ما تقدَّم مِنْ (باب: الصَّلاة في المُصَلَّب والمُصَوَّر)، وما سيأتي مِنْ (باب: الصَّلاة في البيعة).
          قال الكَرْمانيُّ في (باب: الصَّلاة في البيعة): إن قلت: ما وجه الجمع بينه وبين ما تقدَّم مِنْ (باب: مَنْ صلَّى وقدَّامه نارٌ...) إلى آخره، مِنْ جواز الصَّلاة وعدم كراهتها؟ قلت: حكم التَّماثيل غير حكم سائر المعبودات، لأنَّها بأنفسها منكراتٌ، إذ الصُّور محرَّمةٌ سواء تعبد أم لا، بخلاف النَّار مثلًا فإنَّ عبادتها محرَّمةٌ، أو لأنَّ التَّماثيل شاغلةٌ عن الحضور في الصَّلاة كما سبق في (باب: مَنْ صلَّى في ثوبٍ له أعلامٌ) مِنْ حديث خَمِيصة أبي جَهمٍ، وقال ابن بطَّالٍ: لا تعارض بين البابين، لأنَّ الأوَّل كان بغير الاختيار، وما في هذا الباب كقول عمر: إنَّا لا ندخل كنائسكم، فإنَّما ذلك على الاختيار والاستحسان دون ضرورةٍ تدعو إليه. انتهى.
          قلت وبهذا الأخير جمع بينهما جمع من الشراح، والعجب من الحافظ إذ تعقب على ابن التين / بقوله إن الاختيار وعدمه في ذلك سواء، وتقدم تعقب الشيخ قدس سره أيضا على هذا الجواب، وأيضا لو كان ما هناك بدون الاختيار، فكيف استدل به الإمام البخاري على جواز صلاة من صلى وقدامه تنور؟ فالأوجه عندي في الجواب ما بدأ به الكرماني كلامه وهو التفرقة بين التماثيل وغيرها. انتهى مختصرا من «هامش اللامع» في باب الصلاة في البيعة.


[1] في (المطبوع): ((ينوِ)).
[2] في (المطبوع): ((يصلَّى)).
[3] في (المطبوع): ((ومفسدًا)).
[4] قوله: ((ثم)) ليس في (المطبوع).
[5] في (المطبوع): ((رُئيها)).