الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب القسمة وتعليق القنو في المسجد

          ░42▒ (باب: القِسْمَة وتَعْلِيق القِنْوِ...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: لمَّا كان قوله صلعم أنَّ هذه المساجد لا يصلح فيه شيءٌ مِنْ أمور النَّاس أو كما قال، ظاهره يمنع كلَّ أمرٍ مِنْ أمورهم، بَيَّن بذلك أنَّ المراد بالأمور غير ما هو مُفْتَقَرٌ إليه، ثُمَّ إنَّ حكم تعليق القِنْوِ ثابتٌ للشَّركة في العلَّة أو لما فيه مِنَ القسمة أيضًا. انتهى.
          وفي «هامشه»: هذا أجود ممَّا قاله الحافظ مِنْ أنَّ الغرض أنَّ مثل ذلك مِنَ الأمور المباحة، ليس مِنَ اللَّغو الَّذِي يُمْنَع في المساجد. انتهى.
          لأنَّ كون الأمور مفتقرةً إليها أليق بشأن المسجد، نظرًا على الرِّوايات المتقدِّمة مِنْ كونها مباحةً فقط، وما أفاد الشَّيخ مِنْ أنَّ حكم تعليق القِنْوِ ثابتٌ للشَّركة... إلى آخره.
          قال الحافظ: لم يذكر البخاريُّ في الباب حديثًا في تعليق القِنْوِ، فقال ابن بطَّالٍ: أَغْفَله، وقال ابن التِّين: أُنْسِيه، وليس كما قالا، بل أخَذَه مِنْ جواز وضع المال في المسجد بجامعٍ أنَّ كلًّا منهما وُضِع لأخذ المحتاجين منه، وأشار بذلك إلى ما رواه النَّسَائيُّ مِنْ حديث عوفٍ الأشجعيِّ قال: ((خرج رسول الله صلعم وبيده عصًا، وقد علَّق رجلٌ قَنَا حَشَف...))(1) الحديث، وليس هو على شرطه، وإن كان إسناده قويًّا فكيف يقال إنَّه أغفله؟! انتهى.
          قلت: حديث عوفٍ هذا أخرجه أبو داود أيضًا، وأخرج التِّرْمذيُّ مِنْ حديث البراء: ((كان الرَّجُل يأتي بالقِنْوِ والقِنْوِين فيُعَلِّقه في المسجد...))(2) الحديث، واستنبط منه الشَّيخ في «الكوكب الدُّرِّيِّ» تعليق المراوح في المساجد، والأوجه عندي في ترجمة الإمام البخاريِّ أنَّه استنبط ذلك بنشر الدَّراهم في المسجد، فإنَّ الدِّرهم قريبٌ مِنَ التَّمر في الكميَّة، ولا فرق بين نظمها في القِنْوِ ونثرها على الفراش، كما استدلُّوا على جواز السُّبحة المعروفة بأحاديث عدِّ التَّسبيح والتَّحميد بالحصى وغيرها.


[1] سنن النَّسائي، كتاب الزكاة، قوله ╡ ولا تيمَّموا الخبيث منه تنفقون، (رقم: 2439)، وفيه قوله: وقَد علَّق رِجُل قِنْوَ حَشَفٍ... إلى آخره ، وأخرجه أبو داود في الزكاة، باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة، (رقم: 1608)، بلفظ قَنَا حَشَف
[2] سنن الترمذي، تفسير القرآن، باب ومن سورة البقرة، (رقم 2987) وقال هذا حديث حسن غريب صحيح.