الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟

           ░15▒ (باب: إن صلَّى في ثوبٍ مُصَلَّبٍ...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: قوله: (لا تَزال تَصَاويرُها...) إلى آخره فيه دلالةٌ على جواز الصَّلاة أيضًا، وكذلك في الرِّواية الآتية وغيرها، فما فيه نوع كراهةٍ(1)، وإن كانت الصَّلاة فيه ممَّا لا ينبغي، إلَّا أنَّها جائزةٌ. انتهى.
          وفي «تقرير مولانا محمَّد حسن المكِّيِّ»: قوله: (تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي...) إلى آخره، قال: هذا ولم يُعِدْ صلاته، ولا أمر / لها بإعادة صلاتها، مع أنَّ ذلك القِرَام كان في الجانب المقابل له مائلًا إلى الجانب الأيسر [له]، فثبت أنَّ الصَّلاة إلى التَّصاوير الَّتي تكون بأحد جانبيه أو يكون هو حاملًا للتَّصاوير أو الصَّليب بأن تكون في ثوبه صحيحةٌ، لكنَّها تُكْرَه تَحْرِيمًا للتَّشبُّه(2) بِعَبَدتهم، ولو كان خلفه فهو أخفُّ كراهته. انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع» عن الحافظ: جرى المصنِّف على قاعدته في ترك الجزم فيما فيه اختلافٌ، وهذا مِنَ المختلف فيه، وهذا مبنيٌّ على أنَّ النَّهي هل يقتضي الفساد أم لا؟ والجمهور إن كان المعنى في نفسه اقتضاه وإلَّا لا، وظاهر حديث الباب لا يُوَفِّي بجميع ما تضمَّنته التَّرجمة إلَّا بعد التَّأمل، لأنَّ السِّتْرَ وإن كان ذا تصاويرَ لكنَّه لم يلبسه ولم يكن مُصَلَّبًا، ولا نهى عن الصَّلاة فيه صريحًا، والجواب:
          أمَّا أوَّلًا: فإنَّ مَنْعَ لُبْسِه بِطَرِيق الأَوْلَى.
          وأمَّا ثانيًا: فبإلحاق المُصَلَّب بالمُصَوَّر لاشتراكهما في أنَّ كلًّا منهما قد عُبِدَ مِنْ دون الله تعالى.
          وأمَّا ثالثًا: فالأمر بالإزالة مستلزمٌ للنَّهي عن الاستعمال، ثُمَّ ظهر لي أنَّ المصنِّف أراد بقوله: (مُصَلَّب) الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق هذا الحديث كعادته، وذلك فيما أخرجه في اللِّباس في (باب: نَقْضِ الصُّور) قالت: (لم يكن رسول الله صلعم يِتْرُك في بَيْتِه شيئًا فيه تَصَاليبُ إلَّا نَقَضَه) ودلَّ الحديث على أنَّ الصَّلاة لا تفسد بذلك، لأنَّه صلعم لم يقطعها ولم يعدها. انتهى.
          قلت: ذكر الحافظ أوَّلًا أنَّ المسألة خلافيَّةٌ، ولم يذكر تفصيلها، وكذا لم يذكرها القَسْطَلَّانيُّ والعينيُّ، ويظهر الخلاف ممَّا في «هامش اللَّامع» عن «المغني» إذ قال: ما يحرم لُبسه والصَّلاة فيه هو نوعان:
          أحدهما: النَّجس لا تصحُّ الصَّلاة فيه ولا عليه، لأنَّ الطَّهارة مِنَ النَّجاسة شرطٌ وقد فاتت.
          والثَّاني: المغصوب، وهل تصحُّ الصَّلاة فيه على روايتين:
          إحداهما: لا تصحُّ.
          والثَّانية: تصحُّ، وهو قول أبي حنيفة والشَّافعيِّ، لأنَّ التَّحريم لا يختصُّ الصَّلاة ولا النَّهي يعود إليها... إلى آخر ما فيه.
          وفيه عن «الشَّرح الكبير» أنَّ عدم الصِّحَّة أظهر الرِّوايتين لأحمد.
          وفي موضعٍ آخر مِنَ «المغني»: فأمَّا الثِّياب الَّتي عليها تصاوير الحيوانات، فقال ابن عقيلٍ: يُكْرَه لبسه وليس بمُحَرَّمٍ، وقال أبو الخطَّاب: هو مُحَرَّمٌ، قال: ويكره الصَّليب في الثَّوب(3). انتهى.
          وفي «تقرير مولانا حسين علي البنجابيِّ»: تكره الصَّلاة بثوبٍ فيه التَّصاوير الظَّاهرة غير المقطوعة رأسها لذوي الأرواح، أو التَّصاوير للشَّيء الَّذِي اشتُهر في المعبودية كراهة تحريمٍ. انتهى.
          وليس في الحديث الصَّلاة في الثَّوب المصوَّر، لكنَّه لمَّا أمر بإزالة الحذاء لأنَّها تَعْرِض في الصَّلاة فالنَّهي عن اللِّباس أولى، ولمَّا لم يكن فيه جزمٌ بالفساد وعدمه نبَّه عليه بقوله: هل تفسد؟ وهو الأصل الثَّاني والثَّلاثون مِنْ أصول التَّراجم.


[1] في (المطبوع): ((كراهته)).
[2] في (المطبوع): ((للتشبيه)).
[3] المغني لابن قدامة1/423