الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الصلاة على الفراش

           ░22▒ (باب: الصَّلاة عَلى الفِرَاش)
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: لا شكَّ في مغايرة هذه التَّرجمة لما تقدَّم، فلا إهمال ولا إلغاء، وأثبت بإيراد الأثر وأفعال الصَّحابة أنَّ الصَّلاة على الفراش جائزةٌ، أعمُّ مِنْ أن يكون كلُّه على الفراش أو بعضه، كما في السَّجدة على ثوبه. انتهى.
          وفي «هامشه» قال الحافظ: كأنَّه يشير إلى الحديث الَّذِي رواه أبو داود وغيره عن عائشة ╦ ، قالت: ((كان النَّبيُّ صلعم لا يصلِّي في لُحُفِنا))(1)، وكأنَّه لم يثبت عنده أو رآه شاذًّا مردودًا، وقد بيَّن أبو داود علَّته(2). انتهى.
          قلت: والأوجه عندي أنَّ غرض المصنِّف بالتَّرجمة دفع ما يُتوهَّم مِنْ قوله صلعم: (جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا) تخصيص الصَّلاة بالأرض، فأراد إثبات جوازها على غير الأرض.
          ولا يقال: إنَّ هذا الغرض حصل بالتَّرجمتين السَّابقتين، لأنَّ فيهما كان احتمال التَّخصيص بالحصير والخُمْرة، وهذا تعميمٌ بعد تخصيصٍ، وتقدَّم في البابين المذكورين وجه تخصيصهما بالتَّرجمة.
          وفي «المغني»: لا بأس بالصَّلاة على الحَصِير والبُسط مِنَ الصُّوف والشَّعر وسائر الطَّاهرات، وهو قول عوامِّ أهل العلم، إلَّا ما روي عن جابرٍ أنَّه كره الصَّلاة على كلِّ شيءٍ مِنَ الحيوان، واستحبَّ الصَّلاة على كلِّ شيءٍ مِنْ نبات الأرض ونحوه، قال مالكٌ: إلَّا أنَّه قال في بساط الصُّوف والشَّعر: إذا كان سجوده على الأرض لم أر بالقيام عليه بأسًا، والصَّحيح أنَّه لا بأس بالصَّلاة على شيءٍ مِنْ ذلك. انتهى مختصرًا(3).
          قال البجيرميُّ: وما نقل عن مالكٍ هو غير مشهورٍ عند المالكيَّة، فلعلَّ الإمام رجع عنه أو لا يذكرونه لضعفه. انتهى.
          وتقدَّم عن عمرَ بن عبد العزيز أنَّه كان يسجد على التُّراب(4). انتهى ما(5) في «هامش اللَّامع» مختصرًا.
          وترجم الإمام التِّرْمِذيُّ:هذه التَّراجم الثَّلاثة على نحو ما ترجم بها البخاريُّ، تقدَّم ذكر التَّرجمتين سابقًا.
          وأمَّا الثَّالثة فبوَّب بلفظ: (باب: مَا جَاء فِي الصَّلاة عَلَى البُسُطِ).
          وكتب الشَّيخ عليه في «الكوكب»: اعلم أنَّ كلَّ الأئمَّة سوى مالكٍ جوَّز الصَّلاة على كلِّ شيءٍ طاهرٍ يمكن السُّجود عليه، وأمَّا مالكٌ فلم يجوِّز إلَّا على ما هو مِنْ جنس الأرض كالحصير، فلا تجوز الصَّلاة على الجلود والصُّوف ومثل ذلك، ثُمَّ اعلم أنَّ مِنْ قاعدة المحدِّثين أنَّهم لا يحملون المقيَّد على المطلق فيما ورد بلفظين كالحصير، فإنَّه ورد هاهنا بلفظ: البساط، وفي الرِّواية الثَّانية بلفظ: الحصير، وهاهنا وإن كان التَّعدُّد في الواقعة أيضًا محتملًا لكنَّهم لا يبالون بذلك في الواقعة الواحدة أيضًا فهم يستنبطون بذلك حكم المطلق كما استنبطوا مِنْ مقيَّده حكم المقيَّد.
          حاصله أنَّ واقعة صلاة النَّبيِّ صلعم في بيت أمِّ سُلَيمٍ ظاهرها الوحدة وإن كان يمكن التَّعدُّد أيضًا لكنَّه لمَّا بيَّنه الرَّاوي مرَّةً بلفظ: البساط وهو عامٌّ، ومرَّة بلفظ: الحصير وهو خاصٌّ، علم بذلك مسألتان(6). انتهى.


[1] أخرجه أبو داود في الصَّلاة، باب الصَّلاة في شُعُر النساء، (رقم: 367)، والترمذي في السفر، باب في كراهية الصَّلاة في لحف النساء، (رقم: 600) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
[2] فتح الباري:1/491.
[3] المغني لابن قدامة:2/57.
[4] حاشية البجيرمي على الخطيب:2/95.
[5] في (المطبوع): ((و)).
[6] الكوكب الدري1/325.