الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يذكر في الفخذ

           ░12▒ (باب: ما يُذْكَرُ في الفَخِذ)
          وفي «تراجم شيخ المشايخ»: المذاهب فيه مختلفةٌ، فعند الشَّافعيِّ وأبي حنيفة: الفخذ عورةٌ، وإنَّما الخلاف بينهما في الرُّكبة والسُّرَّة، وعند مالكٍ: الفخذ ليس بعورةٍ، والأحاديث في هذا الباب متعارضةٌ، والقوَّة مِنْ حيث الرِّواية لِما ذهب إليه مالكٌ، ووجه الجمع بين تلك الأحاديث أنَّ الفخذ ليس بعورةٍ بالنِّسبة إلى خاصَّة الرَّجل ومحارم أسراره، أعني الَّذين هم كثير الدُّخول عليه شديد التَّردُّد إليه، وأمَّا بالنِّسبة إلى / العامَّة ومَنْ يزور الرَّجل غِبًّا فإنَّه عورةٌ، يَدَلُّك على هذا التَّطبيق حديث دخول عثمان على النَّبيِّ صلعم، وسَتْرِه فَخِذَه، مع كشفه إيَّاه عند أبي بكرٍ وعمر، وأمَّا ما ذهب إليه مالكٌ مِنْ أنَّه يجوز للعَمَلة والجَمَّالين وأمثالهم الاقتصار على ما دون الفخذ في الصَّلاة فلا شبهة في صحَّته عندنا، لما رُوي مِنْ طرقٍ كثيرةٍ، حتَّى حصل العلم الضَّروريُّ أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يكلِّفهم ولا أمثالهم بستر الفخذ إلى الرُّكبة في الصَّلاة، وهاهنا قاعدةٌ وهي أنَّ النَّبيَّ صلعم قد بيَّن لها وجهين مِنَ الصَّلاة: صلاة المحسنين، وصلاة عامَّة المؤمنين، وكم مِنْ أشياء قد جَوَّزَها في الثَّانية، ونهى عنها في الأُولى، وإذا أنت حفظت هذه القاعدة سَهُل عليك أكثر المواضع المتناقضة في باب الصَّلاة. انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع» قال القَسْطَلَّانيُّ: قال الجمهور مِنَ التَّابعين وأبو حنيفة ومالكٌ في أصحِّ أقواله والشَّافعيُّ وأحمد في أصحِّ روايتيه وأبو يوسف ومحمَّدٌ: الفخذ عورة، وذهب داود وأحمد في روايةٍ إلى أنَّه ليس بعورةٍ. انتهى.
          وما قال شيخ المشايخ مِنْ مذهب مالكٍ أنَّ الفخذ ليس بعورةٍ عنده هو المعروف على ألسنة المشايخ، لكنَّ المنقول في كتب المذاهب الأَوَّل، قال الدَّردير في الفقه المالكيَّة(1): هي مِنْ رجلٍ ما بين سرَّةٍ وركبةٍ(2)، قال الدَّسُوْقيُّ: وعلى هذا فلا يجوز للرَّجل أن يرى الفخذ مِنْ مثله(3).
          وبسط في «هامش اللَّامع» في مستدلَّات الجمهور، وتقدَّم قريبًا في (باب: ما يَسْتُر مِنَ العَورة) أنَّ ميل البخاريِّ أنَّ العورة السَّوءتان فقط، وأنَّ الفخذ ليست بعورةٍ.
          وقرَّر السِّنديُّ استدلال البخاريِّ بحديث زيدٍ بوجهٍ آخر، فقال: كأنَّه بنى الاستدلال بذلك إلى استبعاد وضع الفخذ على فخذ غيره لو كان الفخذ عورةً، ولو بحائلٍ كالفرج ونحو(4)، فالوضع دليلٌ على أنَّه ليس بعورةٍ، ولم يرد الاستدلال بأنَّه وضع الفخذ بلا حائلٍ، لأنَّ الأصل عدمه، فإنَّه باطل ٌبشهادة العادة بالحائل في مثله، فصار الأصل هو الحائل كما لا يخفى(5). انتهى.
          لكن يجاب عن تقرير السِّنديِّ بأنَّ حكم السَّوءتين في ذلك خلاف غيرهما، فإنَّ كبس الفخذين بالحائل جائزٌ بخلاف السَّوءتين فإنَّهما محلُّ الشَّهوة.


[1] هكذا وردت في الأصل
[2] الشرح الكبير للدردير:1/213
[3] حاشية الدسوقي على الشرح الكبير:1/214
[4] في (المطبوع): ((ونحوه)).
[5] حاشية السندي1/53