شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صيام يوم عاشوراء

          ░69▒ باب: صِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَإِذَا أَصبَحَ وَلم يَنوِ الصِّيَامَ ثُمَّ صَامَ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ قَالَ: (قَالَ(1) النَّبيُّ صلعم يَوْمَ عَاشُورَاءَ: إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفطَرَ(2)). [خ¦2000]
          وفيه: عَائِشَةُ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ(3) عَاشُورَاءَ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ). [خ¦2001]
          وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟ سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبِ اللهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ).
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ(4): (قَدِمَ النَّبيُّ صلعم الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، / فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ(5) نَجَّى اللهُ(6) بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى ◙، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ). [خ¦2004]
          قَالَ(7) ابْنُ عَبَّاسٍ: (مَا رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ على غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ، يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ _يعني شَهْرَ رَمَضَانَ_(8)).
          وفيه: سَلَمَةُ قَالَ(9): (أَمَرَ النَّبيُّ صلعم رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَنْ أَذِّنْ في النَّاسِ(10): مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ، فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ(11) عَاشُورَاءَ). [خ¦2007]
          اختلفت الآثار في صوم(12) يوم عاشوراء، فدلَّ حديث عائشة على أنَّ صومه كان واجبًا قبل أن يفرض رمضان، ودلَّ أيضًا أنَّ صومه قد رُدَّ إلى التطوُّع بعد أن كان فرضًا، ودلَّ حديث سلمة أيضًا على وجوبه.
          قال الطَّحاويُّ: وفي أمر النَّبيِّ ◙ إيَّاهم بصومه بعد أن(13) أصبحوا دليل على أنَّ من كان في يوم عليه صومه بعينه ولم يكن نوى صومه من اللَّيل أنَّه يجوز أن ينوي صومه بعد ما أصبح إذا كان ذلك قبل الزَّوال.
          قال المؤلِّف: قد(14) تقدَّمت هذه المسألة والخلاف فيها في باب إذا نوى بالنَّهار صومًا(15). [خ¦1924]
          قال الطَّحاويُّ: ورُويت عن الرَّسول(16) صلعم آثارٌ(17) أُخر دلَّت(18) على أنَّ صومه اختيار لا فرض، منها: حديث ابن عبَّاس وذلك أنَّه أخبر بالعلَّة الَّتي من أجلها صامه النَّبيُّ ◙ وأنَّه إنَّما صامه شكرًا لله في إظهاره موسى على فرعون، فدلَّ ذلك على الاختيار لا على الفرض، و على مثل ذلك دلَّ حديث ابن عمر ومعاوية.
          واختلفت الآثار أيَّ يوم هو يوم عاشوراء، فرُوي في حديث الحكم بن الأعرج أنَّه سأل ابن عبَّاس عنه فقال: ((إِذَا أَصبَحتَ مِنْ تَاسِعِهِ فَأَصبِح صَائِمًا، قلت: كَذَلِكَ كَانَ يَصُومُ النَّبيُّ صلعم؟ قَالَ: نَعَم)).
          قال المؤلِّف: وهذا يدلُّ أنَّه عنده اليوم التَّاسع، وقد بيَّن ذلك حمَّاد بن سلمة(19) عن عليِّ بن زيد عن عمَّار بن أبي عمَّار عن ابن عبَّاس قال: هو اليوم التَّاسع.
          قال الطَّحاويُّ: وقد جاء في حديث الحكم بن الأعرج أنَّه اليوم العاشر، ذكر عبد الرَّزَّاق عن إسماعيل بن عبد الله، أخبرني يونس بن عبيد، عن الحكم بن الأعرج(20)، عن ابن عبَّاس قال: إذا أصبحت فعُدَّ تسعًا وعشرين يومًا(21)، فهو يوم عاشوراء، يعني عُدَّ من بعد يوم النَّحر، وكذلك قال الحسن البصريُّ وسعيد بن المسيِّب: هو اليوم العاشر.
          وقالت طائفةٌ: يصوم التَّاسع والعاشر، رُوي ذلك عن ابن عبَّاسٍ وأبي رافعٍ(22)، وابن سيرين، وهو قول الشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق، هذا قول ابن المنذر.
          وقال(23) صاحب «العين»: عاشوراء اليوم العاشر من المحرَّم، وقيل: هو(24) التاسع، قال الطَّحاويُّ: وقد روى ابن أبي ذئب عن القاسم بن عبَّاس عن عبد(25) الله بن عمير عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صلعم أنَّه(26) قال: ((لَئِنْ عِشتُ لِلعَامِ(27) القَابِلِ لَأَصُومَنَّ يَومَ التَّاسِعِ(28)، عَاشُورَاءَ)). وقال ابن أبي ذئبٍ مرَّة في حديثه: ((لَأَصُومَنَّ عَاشُورَاءَ، يَومَ التَّاسِعِ)) قال الطَّحاويُّ: فقوله: ((لَأَصُومَنَّ عَاشُورَاءَ يَومَ التَّاسِعِ))(29) خلاف قوله: ((لَأَصُومَنَّ يَومَ التَّاسِعِ)) لأنَّ قوله: ((لَأَصُومَنَّ عَاشُورَاءَ يَومَ التَّاسِعِ)) إخبار منه أنَّه يكون ذلك اليوم يوم عاشوراء، وقوله: ((لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ)) يحتمل لأصومنَّه مع العاشر لئلَّا أقصد بصومي إلى يوم عاشوراء بعينه كما تفعل اليهود، ولكنِّي(30) أخلطه بغيره فأكون قد صمته بخلاف ما تصومه اليهود.
          وقد رُوي عن ابن عبَّاس ما دلَّ على هذا المعنى، روى ابن جُريح عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: ((خَالِفُوا اليَهُودَ، صُومُوا يَومُ التَّاسِعِ والعَاشِرِ)) فدلَّ ذلك على أنَّ ابن عبَّاس(31) صرف تأويل قوله: ((لَأَصُومَنَّ يَومَ التَّاسِعِ)) إلى ما صرفناه إليه، وقد جاء ذلك عن رسول الله صلعم، روى ابن أبي ليلى عن داود بن عليٍّ، عن أبيه، عن جدَّه عن(32) ابن عبَّاس، عن النَّبيِّ(33) صلعم في صوم يوم عاشوراء: ((صُومُوهُ وَصُومُوا قَبلَهُ يَومًا أَو بَعدَهُ(34)، وَلَا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ)) فثبت بهذا الحديث أنَّ رسول الله صلعم أراد بصوم يوم التَّاسع أن يدخل صوم يوم عاشوراء في غيره من الصِّيام حتَّى لا يكون مقصودًا بعينه كما جاء عنه في صيام يوم الجمعة، روى(35) سعيد بن أبي عروبة، عن قَتادة(36)، عن سعيد بن المسيِّب، عن عبد الله ابن عَمْرو قال: دخل النَّبيُّ صلعم على جويرية يوم جمعة(37) وهي صائمة، فقال لها: ((أَصُمتِ أَمسِ؟)) قالت: لا، قال: ((وَتَصُومِينَ غَدًا؟)) قالت: لا(38)، قَالَ: ((فَأَفطِرِي إِذًا)).
          قال الطَّحاويُّ: ووجه كراهيته إفراد هذه الأيَّام بالصِّيام التَّفرقة بين شهر رمضان وبين سائر(39) ما يصوم النَّاس غيره لأنَّ شهر رمضان مقصود إليه بعينه لفرضه بعينه، وغيره من الشُّهور ليس كذلك، وبهذا كان يأخذ ابن عمر فكان لا يصوم عاشوراء إلَّا أن يوافق بصومه(40).
          وقال الطَّبريُّ: كراهية ابن عمر لصيامه(41) نظير كراهية من كره صوم رجب إذ كان شهرًا(42) تعظِّمه الجاهليَّة، فكره أن يعظَّم في الإسلام ما كان يعظِّمه أهل الجاهليَّة من غير تحريم صومه إذا ابتغى بصومه(43) ثواب الله ╡ لا مريدًا به إحياء سنَّة أهل الشِّرك.
          وقد جاء في فضل يوم عاشوراء ما روى شعبة عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن مَعْبَد، عن أبي قَتادة، عن النَّبيِّ صلعم قال في صوم يوم عاشوراء: ((إِنِّي أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي(44) قَبلَهُ))، وكان يصومه من السَّلف: عليُّ بن أبي طالب وأبو موسى وعبد الرَّحمن بن عوف وابن مسعود وابن عبَّاس، وأمر بصومه أبو بكر وعمر.
          فإن قيل: فقد رخَّص في صيام أيَّام بعينها مقصودة بالصَّوم، وهي الأيَّام(45) البيض، فهذا دليل أنَّه لا بأس بالقصد بالصَّوم إلى يوم بعينه.
          قال الطَّحاويُّ: قيل له: إنَّه قد قيل إنَّ الأيَّام(46) البيض إنَّما أمر بصومها لأنَّ الكسوف يكون فيها، ولا يكون في غيرها، وقد أمر(47) بالتَّقرُّب إلى الله بالصَّلاة والعتاق(48) وغير ذلك من أعمال البرِّ عند الكسوف، فأمر بصيام هذه الأيَّام ليكون ذلك برًّا مفعولًا بعقب(49) الكسوف، فذلك صيام غير مقصودٍ به إلى يوم لعلَّته في نفسه، ولكنَّه(50) مقصودٌ به في وقت شكره(51) لله لعارض كان فيه، فلا بأس بذلك، وكذلك(52) صيام يوم الجمعة إذا صامه رجلٌ(53) لعارضٍ من كسوف شمسٍ أو قمرٍ أو شكرٍ الله(54) لمعنًى فلا بأس بذلك وإن لم يصم قبله يومًا(55) ولا بعده يومًا.
          وعاشوراء وزنه فاعولاء، وهو من أبنية المؤنَّث، وهو صفة للَّيلة(56)، واليوم مضافٌ إليها، وعلى ما حكاه الخليل أنَّه اليوم التَّاسع يكون عاشوراء صفة لليوم، فيُقال: يوم عاشوراء، وينبغي ألَّا يضاف إلى اليوم لأنَّ فيه إضافة الشَّيء إلى نفسه، ومن جعل عاشوراء صفة للَّيلة فهو أصحُّ في اللُّغة، وهو قول من يرى أنَّه اليوم العاشر.
          وقال الدَّاوديُّ: قول معاوية: (أَينَ عُلَمَاؤُكُم؟) يدلُّ أنَّه سمع شيئًا أنكره، إمَّا أنَّه(57) سمع قول من لا يرى بصومه(58) فضلًا، أو سمع قول(59) من يقول: إنَّه فرض، على ما ذكر فيه(60).
          وليوم عاشوراء فضائل منها: ما ذُكر(61) في الحديث أنَّ الله فرَّق فيه البحر لموسى بن عِمْرَان، وغرق فرعون وجنوده(62)، ومنها ما روى معمر عن قَتادة قال: ركب نوح في السَّفينة في رجب في(63) عشر بقين منه، ونزل من السَّفينة يوم عاشوراء.
          وقال عِكْرِمَة: هو يوم تاب الله فيه على آدم، وقال ابن حبيب: وفيه أُخرج يوسف من الجبِّ، وفيه نَجَّى الله يونس من بطن الحوت، وفيه تاب الله على قوم يونس، وفيه ولد عيسى بن مريم، وفيه تُكسى الكعبة البيت الحرام في كلِّ عام. وروى شعبة، عن أبي(64) الزُّبير، عن جابر، عن النَّبيِّ(65) صلعم قال: ((مَنْ وَسَّعَ عَلَى نَفسِهِ وَأَهلِهِ يَومَ عَاشُورَاءَ أَوسَعَ(66) اللهُ عَلَيهِ سَائِرَ السَّنَةِ(67))) قال جابر وأبو الزُّبير وشعبة: جرَّبناه فوجدناه كذلك، وقاله يحيى بن سعيد وابن عيينة أيضًا.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] قوله: ((وإن شاء أفطر)) ليس في (م).
[3] قوله: ((يوم)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[5] قوله: ((هذا يوم)) ليس في (م).
[6] زاد في (م): ((فيه)).
[7] في (م): ((وقال)).
[8] في (م): ((على غيره إلا صيام يوم عاشوراء وشهر رمضان)).
[9] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[10] زاد في (م): ((أن)).
[11] قوله: ((يوم)) ليس في (م).
[12] في (م): ((صيام)).
[13] في (م): ((ما)).
[14] في (م): ((وقد)).
[15] في (م): ((صومه)).
[16] في (م): ((النبي)).
[17] في (م): ((أخبار)).
[18] في (ز): ((دليل)) والمثبت من (م).
[19] في النسخ زيادة: ((عن حماد))، وهو وهم.
[20] قوله: ((أنه اليوم العاشر، ذكر...... بن الأعرج)) ليس في (م).
[21] قوله: ((يومًا)) ليس في (م)، و زاد فيها: ((ثم أصبح صائمًا)).
[22] زاد في (م): ((صاحب أبي هريرة)).
[23] في (م): ((قال)).
[24] زاد في (م): ((اليوم)).
[25] في (م): ((عبيد)).
[26] قوله: ((أنه)) ليس في (م).
[27] في (م): ((إلى العام)).
[28] زاد في (م): ((يوم)).
[29] قوله: ((قال الطحاوي: فقوله: لأصومن عاشوراء يوم التاسع)) زيادة من (م).
[30] في (م): ((ولكنه)).
[31] قوله: ((قال: ((خالفوا اليهود، صوموا يوم التاسع والعاشر)) فدل ذلك على أن ابن عباس)) زيادة من (م).
[32] قوله: ((عن)) ليس في (م).
[33] في (م): ((رسول الله)).
[34] في (م): ((وبعده)).
[35] في (م): ((وروى)).
[36] في (م): ((عروة)).
[37] قوله: ((يوم جمعة)) ليس في (م).
[38] قوله: ((قال: (وتصومين غدًا؟) قالت:)) ليس في (م).
[39] قوله: ((سائر)) زيادة من (م).
[40] في (م): ((صومه)).
[41] في (م): ((لصومه)).
[42] في (ز): ((شهر)) والمثبت من (م).
[43] في (م): ((بصيامه)).
[44] قوله: ((التي)) ليس في (م).
[45] في (م): ((أيام)).
[46] في (م): ((أيام)).
[47] في (م): ((أمرنا)).
[48] في (ز): ((والصيام)) والمثبت من (م).
[49] صورتها في (ز): ((يعقبه)) بلا نقاط.
[50] زاد في (م): ((صيام)).
[51] في (م) صورتها: ((شكرًا)).
[52] في (م): ((وكذلك أيضًا)).
[53] زاد في (م): ((شكرًا)).
[54] في (م): ((أو لشكر لله)).
[55] في (م): ((لم يصم يومًا قبله)).
[56] في (م): ((الليلة)).
[57] في (ز): ((أن)) والمثبت من (م).
[58] في (م): ((لصومه)).
[59] قوله: ((قول)) ليس في (م).
[60] في (م): ((إنه فرض فذكر ما روي فيه)).
[61] في (م): ((ذكره)).
[62] في (م): ((وجنده)).
[63] في (م): ((يوم)).
[64] في (ز): ((ابن)) والمثبت من (م).
[65] في (م): ((جابر أن النبي)).
[66] في (م): ((وسع)).
[67] في (م): ((سنته)).