شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصائم يصبح جنبًا

          ░22▒ باب: الصَّائِم يُصْبِحُ جُنُبًا.
          فيه: عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ، وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أُقْسِمُ بِاللهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ، وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ على الْمَدِينَةِ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ(1): / فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بذي الْحُلَيْفَةِ، وَكَانَتْ لأبِي هُرَيْرَةَ هُنَاكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبدُ الرَّحْمَنِ لأبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلا مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ، فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ(2)، وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ(3) أبي هُرَيْرَةَ: كَانَ النَّبيُّ صلعم يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ) وَالأوَّلُ أَسْنَدُ. [خ¦1925] [خ¦1926]
          وأجمع(4) فقهاء الأمصار على الأخذ بحديث عائشة وأمِّ سلمة فيمن أصبح جنبًا أنَّه يغتسل ويتمُّ صومه، وقال(5) ابن المنذر: ورُوي عن الحسن البصريِّ في أحد(6) قوليه أنَّه(7) يتمُّ صومه ويقضيه، وعن سالم بن عبد الله مثله، واختلف فيه عن أبي هريرة، فأشهر قوليه عند أهل العلم: أنَّه لا صوم له، وفيه قول ثالث عن أبي هريرة، قال: إذا علم بجنابته ثمَّ نام حتَّى يصبح فهو مفطر، وإن لم يعلم حتَّى يصبح فهو صائم.
          ورُوي(8) ذلك عن طاوس وعروة بن الزُّبير، وعن النَّخَعِيِّ قول رابع: وهو أنَّ ذلك يجزئه في التَّطوُّع ولا يجزئه في الفرض، واحتجُّوا بحديث أبي هريرة أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((مَنْ أَصبَحَ جُنُبًا أَفطَرَ ذَلِكَ اليَومَ))، ولم يقل أحد به من فقهاء الأمصار غير الحسن بن صالح.
          واحتجَّ ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن لجماعة الفقهاء بقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة:187]فأباح لنا(9) الأكل والجماع إلى طلوع الفجر، فوجب أن يقع الغسل بعد طلوع الفجر، ولولا أنَّ الغسل إذا وقع بعد طلوع(10) الفجر أجزأ الصَّوم لما أباح الجماع إلى وقت طلوعه، ذكره ابن القصَّار.
          وقال(11) الطَّحاويُّ: وحجَّة الجماعة حديث عائشة وأمِّ سلمة، وأيضًا فإنَّ أبا هريرة الَّذي روى حديث الفضل قد رجع عن فتياه(12) إلى قول عائشة وأمِّ سلمة، ورأى ذلك أولى ممَّا حدَّثه به الفضل عن النَّبيِّ صلعم، وروى منصور عن مجاهد(13) عن عبد الرَّحمن بن أبي بكر(14) أنَّ أبا هريرة رجع عن ذلك لحديث عائشة، وروى محمَّد بن عَمْرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنَّه نزع عن ذلك أيضًا.
          قال الطَّحاويُّ: والنظر في ذلك أنَّا رأيناهم قد أجمعوا أنَّ صائمًا لو نام نهارًا فأجنب أنَّ ذلك لا يخرجه عن(15) صومه، فأردنا أن ننظر هل يكون حكم الجنابة إذا طرأت على الصَّوم خلاف حكم الصَّوم إذا طرأ عليها؟ فرأينا الأشياء الَّتي تمنع من الدُّخول في الصَّوم من الحيض والنِّفاس إذا طرأ ذلك على الصَّوم أو طرأ عليه الصَّوم فهو سواء، ألا ترى أنَّه ليس لحائضٍ أن تدخل في الصَّوم وهي حائضٌ، وأنَّها لو دخلت في الصَّوم طاهرًا ثمَّ طرأ عليها الحيض في ذلك اليوم أنَّها بذلك خارجة من الصَّوم، وكان حكم الجنابة إذا طرأت على الصَّوم لم تبطله بإجماعهم، فالنَّظر على ذلك أن يكون كذلك إذا طرأ عليها الصَّوم لم تمنع من الدُّخول فيه.
          وفي حديث الباب من الفقه أنَّ الشَّيء إذا نُوزع(16) فيه وجب ردُّه إلى من يظنُّ علمه عنده، لأنَّ أزواج النَّبيِّ صلعم أعلم النَّاس بهذا المعنى، وفيه: أنَّ الحجَّة القاطعة عند الاختلاف فيما لا نصَّ فيه بسنَّةٍ(17) رسول الله صلعم، وفيه اعتراف العالم(18) بالحقِّ وإنصافه إذا سمع الحجَّة(19)، وقد ثبت أنَّ أبا هريرة لم يسمع ذلك من النَّبيِّ ◙، ففي رواية الزُّهريِّ، عن أبي بكر بن عبد الرَّحمن، عن أبي هريرة أنَّه قال: حدَّثنيه الفضل بن عبَّاس، وفي رواية المقبريِّ، عن أبي هريرة، قال: حدَّثنيه ابن عبَّاس، وفي رواية عُمَر بن أبي بكر بن(20) عبد الرَّحمن عن أبيه عن جدِّه عن أبي هريرة، قال: هنَّ أعلم برسول الله منَّا(21)، حدَّثنيه أسامة بن زيد. ذكره النَّسائيُّ.


[1] قوله: ((قال أبو بكر)) ليس في (م).
[2] زاد في (م): ((وهو أعلم)).
[3] صورتها في (ز): ((وقال همام بن عبد بن عمر عن)).
[4] في (م): ((أجمع)).
[5] في (م): ((قال)).
[6] في (م): ((البصري آخر)).
[7] زاد في (م): ((قال)).
[8] في (م): ((روي)).
[9] في (م): ((فأباح تعالى)).
[10] قوله: ((طلوع)) ليس في (م).
[11] في (م): ((وقال)).
[12] في (م): ((عنه)).
[13] قوله: ((عن مجاهد)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[14] في (م): ((بكرة)).
[15] في (م): ((من)).
[16] في (م): ((تنوزع)).
[17] في (م): ((سنة)).
[18] في (ص): ((العلماء)).
[19] في (م): ((بالحجة)).
[20] في (م): ((عن)).
[21] صورتها في (ز) و(ص): ((ما)).