شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم

          ░61▒ بابُ: مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ.
          فيه: أَنَسٌ: (دَخَلَ النَّبيُّ صلعم على أُمِّ سُلَيْمٍ، فَأَتَتْ(1) بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ في سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ في وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ، ثُمَّ قَامَ إلى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ، فَدَعَا لأمِّ سُلَيْمٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ(2): يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لي خُوَيْصَةً، قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَتْ(3): خَادِمُكَ أَنَسٌ، فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ وَلا دُنْيَا إِلَّا دَعَا لي بِهِ، قَالَ(4): اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالًا وَوَلَدًا وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ، فَإِنِّي لَمِنْ أَكْثَرِ الأنْصَارِ مَالًا، وَحَدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمَيْنَةُ أَنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبِي مَقْدَمَ الحَجَّاجِ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ وَمِائَةٌ). [خ¦1982]
          في هذا الحديث حجَّة لمالك والكوفيِّين أنَّ الصَّائم المتطوِّع لا ينبغي له أن يفطر بغير(5) عذرٍ ولا سببٍ موجبٍ للإفطار، وليس هذا الحديث بمعارضٍ لإفطار أبي الدَّرداء حين زاره سلمان وامتنع من الأكل إن لم يأكل معه، وهذه علَّةٌ توجب(6) الإفطار، لأنَّ للضَّيف حقًّا كما قال(7) ◙.
          وفيه(8) أنَّ الصَّائم إذا دُعي إلى طعام فليدعُ لأهله بالبركة يؤنسهم(9) بذلك ويَسُرُّهم، وفيه وجوب الإخبار عن نعم الله عند الإنسان / والإعلام(10) بمواهبه، وأن لا يجحد نعمه، وبذلك أمر الله تعالى، في كتابه فقال: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضحى:11]، وفيه أنَّ تصغير اسم الرَّجل على معنى التَّعطف له والتَّرحم عليه والمودَّة له لا ينقصه ولا يحطُّه، وفيه دليلٌ على جواز ردِّ الهديَّة والطَّعام المبذول إذا لم يكن في ذلك سوء أدب على باذله ومُهْديه ولا نقيصة عليه، ويخصُّ الطَّعام من ذلك أنَّه إذا لم يعلم من النَّاس حاجة فحينئذ يجمل ردُّه، وإذا علم منهم حاجة فلا يردُّه ويبذله لأهله، كما فعل(11) ◙ بأمِّ سُلَيم في غير هذا الحديث حين بعث هو وأبو طلحة أنسًا إليها لتعدَّ الطَّعام لرسول الله صلعم وأصحابه.


[1] في (م): ((فأتته)).
[2] قوله: ((أم سليم)) ليس في (م).
[3] في (م): ((قال)).
[4] في (م): ((ثم قال)).
[5] في (م): ((لغير)).
[6] زاد في (م): ((له)).
[7] زاد في (م): ((النبي)).
[8] في (م): ((قال المهلب وفيه)).
[9] في (م): ((فيؤنسهم))،، وفي (ص): ((ويؤنسهم)).
[10] في (م): ((والإعلان)).
[11] زاد في (م): ((النبي)).