شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يقول: إني صائم إذا شتم؟

          ░9▒ باب: من(1) يَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ إِذَا شُتِمَ.
          فيه: أَبَو هُرَيْرَةَ قَالَ: (قَالَ(2) النَّبيُّ صلعم: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ(3)، فَإِنَّهُ لي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ(4) صَائِمٌ، والَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ(5)، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ(6)). [خ¦1904]
          قال الدَّاوديُّ: تخصيصه في هذا الحديث ألَّا يرفث ولا يجهل، وذلك لا يحلُّ في غير الصِّيام، وإنَّما(7) هو تأكيدٌ لحرمة الصَّوم عن الرَّفث والجهل، كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ في صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ}[المؤمنون:1-2]، والخشوع في الصَّلاة أوكد منه في غيرها، وقال في الأشهر الحرم: {فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}[التوبة:36]، فأكَّد حرمة الأشهر الحرم، وجعل الظُّلم فيها آكد(8) من غيرها، فينبغي للصَّائم أن يعظِّم من شهر رمضان ما عظَّم الله ورسوله، ويعرف ما لزمه(9) من حرمة الصِّيام(10).
          واتَّفق(11) جمهور العلماء على أنَّ الصَّائم لا يفطره السَّبُّ والشَّتم(12) والغيبة، وإن كان مأمورًا أن يُنزِّه صيامه عن اللَّفظ القبيح، وقال الأوزاعيُّ: إنَّه يفطر بالسَّبِّ(13) والغيبة، واحتجَّ بما رُوي أنَّ الغيبة تُفطر الصَّائم.
          قال ابن القصَّار: معناه أنَّه يصير في معنى المفطر في سقوط الأجر لا أنَّه يفطر في الحقيقة، كقوله تعالى: {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}(14)[الحجرات:12]، ومن اغتاب(15) فلم يكن آكلًا لحم(16) أخيه ميتًا في الحقيقة(17)، وإنَّما يصير في معناه ويجوز أن يكون في معنى التَّغليظ، كما قال: الكذب مجانب للإيمان، فإن قيل: فما معنى قوله: (فَليَقُل إِنِّي صَائِمٌ)، والمندوب إليه أن يستتر بعمله(18) ليكثر ثوابه؟ قيل: إذا قال: إنِّي صائمٌ، ارتدع وعُلم(19) أنه إذا اجترأ عليه في صومٍ كان أعظم في الإثم، فليعلم(20) أيضًا أنَّ الصَّوم يمنع من الرَّدِّ عليه، ومثل هذا لا يكره إذا كان لعذرٍ، وقيل معناه: أن يقول ذلك لنفسه، وقد تقدَّم(21).


[1] في (م): ((هل)).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[3] في (م): ((الصوم)).
[4] قوله: ((امرؤ)) ليس في (م).
[5] قوله: ((والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ...... رِيحِ الْمِسْكِ)) ليس في (م). وبدله في (م): ((الحديث. إلى قوله)).
[6] في (م): ((بصومه)) ضرب عليها.
[7] في (م): ((إنما)).
[8] في (م): ((أكثر)).
[9] في (م): ((ويعرف قدر ما ألزمه)).
[10] زاد في (م): ((والقيام)).
[11] في (م): ((قال غيره: واتفق)).
[12] قوله: ((والشتم)) ليس في (م).
[13] في (م): ((يفطره السباب)).
[14] زاد في (م): ((فكرهتموه)).
[15] قوله: ((ومن اغتاب)) ليس في (ص).
[16] في (م): ((ومن اغتاب لم يأكل)).
[17] في (ص): ((فلم يكن أكلًا في الحقيقة)).
[18] في (ص): ((بعبادته)) وكتب في الحاشية ((بعمله)) ولم يضرب على الأولى.
[19] في (ز) و(ص): ((وعلمه)) والمثبت من (م).
[20] في (م): ((ويعلم))، وفي (ص): ((ويمنع)).
[21] زاد في (م): ((هذا المعنى في باب فضل الصوم)).