شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي لمن ظلل عليه واشتد الحر

          ░36▒ باب: قَوْلِ النَّبيِّ صلعم لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحَرُّ(1): (لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ).
          فيه: جَابِرٌ: (كَانَ الرَّسُولُ(2) صلعم في سَفَرٍ فَرَأَى رَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: صَائِمٌ، فَقَالَ: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ). [خ¦1946]
          إن(3) احتجَّ محتجٌّ من أهل الظَّاهر بهذا الحديث، وقال: ما لم يكن من البرِّ فهو من الإثم، فدلَّ ذلك أنَّ صوم رمضان لا يجزئ في السَّفر.
          قال الطَّحاويُّ: قيل له هذا الحديث خرج(4) لفظه على شخصٍ معيَّن، وهو رجلٌ رآه رسول الله صلعم وهو صائمٌ قد ظلِّل عليه، وهو يجود بنفسه فقال ذلك القول، ومعناه ليس البرُّ أن يبلغ الإنسان بنفسه هذا المبلغ، والله قد رخَّص في الفطر، والدَّليل على صحَّة هذا التَّأويل صوم رسول الله صلعم في السَّفر في شدَّة الحرِّ، ولو كان إثمًا لكان(5) رسول الله صلعم أبعد النَّاس منه.
          ومعنى قول النَّبيِّ(6) ◙: (لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ) أي ليس هو أبرُّ البرِّ، لأنَّه قد يكون الإفطار أبرَّ منه إذا كان في حجٍّ أو جهادٍ ليقوى عليه، وهذا كقوله ◙: ((لَيسَ المِسكِينُ بِالطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمرَةُ والتَّمرَتَانِ))، ومعلوم أنَّ الطَّوَّاف مسكينٌ، وأنَّه من أهل الصَّدقة، وإنَّما أراد المسكين الشَّديد المسكنة الَّذي لا يسأل ولا يُتصدَّق عليه.


[1] في (م): ((الصوم)).
[2] في (م): ((النبي)).
[3] قوله: ((إن)) زيادة من (م) وليس في (ص).
[4] زاد في (م): ((على)).
[5] في (م): ((كان)).
[6] في (م): ((قوله)).