شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين

          ░14▒ باب: لا يَتَقَدَّمُ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أو يَوْمَيْنِ.
          فيه أَبو هُرَيْرَةَ قَالَ: (قَالَ(1) النَّبيُّ صلعم: لا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ(2) إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ). [خ¦1914]
          قال المؤلِّف: ذهبت طائفةٌ إلى أنَّه لا يجوز أن يُصام آخر يوم من شعبان تطوُّعًا إلَّا أن يوافق صومًا كان يصومه، وأخذوا بظاهر هذا الحديث، ورُوي(3) ذلك عن عمر وعليٍّ وعمار وحذيفة وابن مسعود، ومن التَّابعين سعيد بن المسيِّب والشَّعبيِّ والنَّخعيِّ(4) وابن سيرين، وهو قول الشَّافعيِّ، وكان ابن عبَّاسٍ، وأبو هريرة يأمران أن يُفصل بين شعبان ورمضان(5) بفطر يومٍ أو يومين، كما استحبُّوا أن يفصلوا بين صلاة الفريضة والنَّافلة بكلامٍ أو قيامٍ وتقدَّم(6) أو تأخُّرٍ(7)، وقال عِكْرِمَة: ((مَنْ صَامَ يَومَ الشَّكِّ فَقَد عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ)).
          وأجازت طائفةٌ صومه تطوُّعًا، رُوي عن عائشة وأسماء أختها(8) أنَّهما كانتا(9) تصومان يوم الشَّكِّ، وقالت عائشة: لئن أصوم آخر يوم(10) من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أفطر يومًا من رمضان، وهو قول مالك(11) والأوزاعيِّ وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق.
          قال ابن القصَّار: وحجَّة هذا القول(12): أنَّا إنَّما نكره صوم يوم الشَّكِّ قطعًا أن يكون من رمضان أو على وجه المراعاة خوفًا أن يكون من رمضان، فيلحق بالفرض ما ليس من جنسه، فأمَّا إذا أخلص النِّيَّة للتطوُّع، فلم يحصل فيه معنى الشَّكِّ، فإنَّما(13) نيَّته أنَّه من شعبان، فهو كما يصومه عن نذرٍ أو قضاء رمضان، وإنَّما النَّهي عن أن يصومه على أنَّه إن كان من رمضان فذاك وإلَّا فهو تطوُّعٌ.
          واختلفوا إذا صامه على أنَّه من رمضان، قال(14) مالك: سمعت أهل العلم ينهون عن أن يُصام اليوم الَّذي يشكُّ فيه من شعبان إذا نوى به رمضان، ويرون أنَّه من(15) صامه على غير رؤية ثمَّ جاء الثَّبت أنَّه من رمضان أنَّ(16) عليه قضاءه، قال مالك: وعلى هذا(17) الأمر عندنا.
          فيه(18) قول آخر، ذكر ابن المنذر، عن عطاء، وعمر بن عبد العزيز، والحسن أنَّه إذا نوى صومه من اللَّيل على أنَّه من رمضان ثمَّ علم بالهلال أوَّل النَّهار أو آخره(19) أنَّه يجزئه، وهو قول الثَّوريِّ والأوزاعيِّ وأبي حنيفة وأصحابه، وذهب ابن عمر إلى أنَّه يجوز صيامه إذا حال دون منظر الهلال ليلة ثلاثين من شعبان غيم وسحاب(20) ويجزئهم من رمضان، وإن ثبت بعد ذلك أنَّ شعبان تسع وعشرين، وهو قول(21) أحمد بن حنبل، وهو قولٌ شاذٌّ، وهذا صوم يوم الشَّكِّ، وهو خلاف للحديث فلا معنى له، و قول(22) أهل المدينة أولى لنهيه ◙ أن يتقدَّم صوم رمضان، ولقول(23) عِكْرِمَة، وعمَّار(24): من صام يوم الشَّكِّ فقد عصى أبا القاسم.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] قوله: ((بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ)) ليس في (م).
[3] في (م): ((روي)).
[4] في (م): ((والنخعي والشعبي))، و زاد فيها: ((والحسن)).
[5] في (م): ((رمضان وشعبان)).
[6] في (م): ((أو تقدم)).
[7] قوله: ((وكان ابن عباس، وأبو هريرة يأمران.... أو تأخر)) جاء في (م) بعد قوله: ((والحسن وابن سيرين وهو قول الشافعي)).
[8] في (م): ((عائشة وأختها أسماء)).
[9] في (ز): ((كانا)) والمثبت من (م).
[10] في (م): ((لئن أصوم يومًا)).
[11] زاد في (م): ((والليث)).
[12] في (م): ((وقال ابن القصار محتجًا لهذا القول)).
[13] في (م): ((وغنما)).
[14] في (م): ((فقال)).
[15] في (م): ((ويرون أن على من)).
[16] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[17] في (م): ((ذلك)).
[18] في (م): ((وفيها)).
[19] في (م): ((أو النهار وأخره)).
[20] في (م): ((أو سحاب)).
[21] في (م): ((أن شعبان من تسع وعشرين وبه قال)).
[22] في (ز): ((وهو قول)) والمثبت من (م).
[23] في (ز): ((لقول)) والمثبت من (م).
[24] في (م): ((عمار وعكرمة)).