شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من مات وعليه صوم

          ░42▒ باب: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ.
          وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاثُونَ رَجُلًا يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ.
          فيه: عَائِشَةُ أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوم صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ). [خ¦1952]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى). [خ¦1953]
          وروي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (أَنَّ امرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبيِّ صلعم فَقَالتْ: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ. وقَالَ أيضًا: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ. وقَالَ أيضًا: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا).
          اختلف العلماء فيمن عليه صوم من شهر رمضان فمات قبل أن يقضيه، فقالت طائفة: جائز أن يُصام عن الميت، وهو قول طاوس والحسن والزُّهريِّ وقَتادة، وبه قال أبو ثورٍ وأهل الظَّاهر، واحتجُّوا بهذه الأحاديث التي ذكرها البخاريُّ.
          وقال أحمد بن حنبل: يصوم عنه وليُّه في النَّذر، ويطعم عنه في قضاء رمضان، وذكر ابن وهبٍ عن اللَّيث أنَّه يصوم عنه وليُّه في النَّذر(1)، وقال ابن عمر وابن عبَّاسٍ وعائشة: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ، وهو قول مالكٍ وأبي حنيفة والشَّافعيِّ، وحجَّة هؤلاء أنَّ ابن عبَّاسٍ لم يخالف بفتواه ما رواه إلَّا لنسخٍ علمه، وكذلك روى عبد العزيز بن رفيع، عن عَمْرة، عن عائشة أنَّها قالت: يُطعم عنه في قضاء رمضان ولا يُصام عنه، ولهذا(2) /
          قال أحمد بن حنبل: إنَّ معنى حديث ابن عبَّاسٍ في النَّذر دون قضاء رمضان من أجل فتيا ابن عبَّاسٍ، وقد ذكر ذلك(3) البخاريُّ في بعض طرق الحديث في هذا الباب، وقال أبو داود في حديث عائشة: معناه في النَّذر.
          قال ابن القصَّار: ومعنى الأحاديث الَّتي احتجُّوا بها عندنا أن يفعل عنه وليُّه ما يقوم مقام الصِّيام، وهو الإطعام، ويُستحب(4) لهم فيصيرون كأنَّهم صاموا عنه.
          قال المُهَلَّب: ولو جاز أن يقضى عمل النَّذر(5) عن ميِّتٍ قد فاته لجاز أن يصلِّي النَّاس عن النَّاس ويؤمنون عنهم(6)، ولو كان سائغًا لكان رسول الله أحرص النَّاس أن(7) يؤمن عن عمِّه أبي طالبٍ لحرصه(8) على إدخاله في الإسلام، والإيمان من عمل القلب، والقلب عضو من أعضاء البدن اللَّازم لها الأعمال، وقد أجمعت الأمَّة على أنَّه لا يؤمن أحدٌ عن أحدٍ، ولا يصلِّي(9) أحدٌ عن أحدٍ. واختلفوا في الصَّوم والحجِّ، فيجب أن يردَّ حكم ما اختلف(10) فيه إلى ما اتُّفق عليه.
          قال ابن القصَّار: ولمَّا لم يجز الصِّيام عن الشَّيخ الكبير(11) في حياته كان بعد الموت أولى أن لا يجوز، وذهب الكوفيُّون والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثورٍ إلى أنَّه واجبٌ أن يطعم عنه من رأس ماله وإن لم يوص(12)، إلَّا أبا حنيفة فإنَّه قال: يُسْقِطُ عنه ذلك الموت، وقال مالك: الإطعام غير واجبٍ على الورثة إلَّا أن يوصي بذلك إليهم فيكون في ثلثه، فإن قال من أوجب الإطعام أنَّ النَّبيَّ صلعم شبَّهه بالدَّين قيل: هو حجَّة لنا، لأنَّه قال: أفأقضيه عنها؟ ونحن نقول: قضاؤه أن يطعم عن كلِّ يومٍ مسكينًا.
          وقوله: (أَرَأَيتَ لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟) إنَّما سأله هل كنت تفعل ذلك تطوُّعًا، لأنَّه لا يجب عليه أن يقضي دين أمِّه إذا لم يكن(13) لها تركة


[1] في (م): ((عن وليه النذر)).
[2] قوله: ((بن إبراهيم، حدَّثنا أيُّوب، قال: حدَّثني أبو قِلابة...... يُطعم عنه في قضاء رمضان ولا يُصام عنه، ولهذا)) الورقة ليست في المخطوط (ص).
[3] قوله: ((ذلك)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[4] في (م): ((يستحب)).
[5] في (م): ((البدن)).
[6] قوله: ((ويؤمنون عنهم)) زيادة من (م)، وليس في(ص).
[7] قوله: ((أحرص الناس أن)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[8] في (م) صورتها: ((لجزعه)).
[9] في (م): ((لا يصل)).
[10] في (م): ((اختلفوا)).
[11] في (م): ((الهرم)).
[12] في (م): ((ماله، اوصى بذلك أو لم يوص)).
[13] في (م): ((تكن)).